بلاءِ الروح بالذنب أعظم بكثير من بلاءِ الجسد بالمرض.
روحك تأن تحت وطأة العصيان، نعم، قد يكون جسدك استلذ لحظة المعصية، ولكن روحك تجأر إلى الله!
تخيل أنك في سجنٍ ضيقٍ عَرضُ كل جدار فيه متر واحد فقط، ما مقدار الاختناق الذي ستشعر به؟
الذنوب تجعل روحك في سجن شبيه بهذا السجن! إنها تحيط بك، كما قال تعالى: (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) [البقرة: 81]، وتجعل روحك تختنق.
لو لم يكن هناك جنة ولا نار، الذنوب وحدها جحيم، وحميم، وعذاب أليم!
فإذا علمنا أن من أسمائه سبحانه، الغفورُ،، والغفّارُ والعَفُوّ، وأن من صفاته أنه يغفر الذنوب، تبدأ جدران ذلك السجن الضيق تتصدع.
بالله قل: أستغفر الله.
هل هناك ما هو أجمل من هذه الكلمة التي إن قلتها من قلبك تتناثر جميع الوساوس والهواجس والمخاوف؟
هل تعلم أن كل مصيبة من مرض أو هم أو حزن أو ألم هي بسبب معاصيك؟
اقرأ: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30].
لم تظهر لي صفة المغفرة ماثلة وبارزة كما ظهرت لي وأنا أقلب أوراق السيرة النبوية.
عمر بن الخطاب يفتن المسلمين عن دينهم، يَمسِك السوط بيده القوية ويلهب به ظهر جاريته ثم لما يَتْعَب يُنزل السوط ويقول: ما تركتكِ إلا ملالة!
ثم يفتح له الغفور أبواب التوبة ليصبح: عمر الفاروق!
والسياط التي كان يَحْرِق بها ظهور عبيده وإمائه؟ أين ذهبت؟
لقد غفرها الله!
رجلٌ يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألّم قلبه مما اقترفه من آثام، فيقول: "أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها، فلم يترك منها شيئًا، وهو في ذلك لم يترك حاجةً ولا داجةً إلا أتاها، فهل له من توبة؟". قال رسول الرحمة: "فهل أسلمتَ؟" قال: "أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله". قال: "نعم، تفعل الخيرات وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك خَيراتٍ كُلُّهُنّ". قال: "وَغَدَرَاتي وفَجَرَاتي؟". قال: "وَغَدَراتكَ، وفَجَرَاتك".
ما الذي تنتظره؟
قُل أستغفر الله الآن.
قلها بقلبك وروحك ولسانك، حتى ذنوبك التي تريد أن تقنعك أن المغفرة مستحيلة عليها،
اجعلها تقول: أستغفر الله، رُغمًا عنها.
يغفر سبحانه بـقولِِ أستغفر الله..
ويغفر سبحانه بالتوبة: قال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران: 89].
ويغفر سبحانه بالحسنات: قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود: 114]
ويغفر بالبلاء: قال صلّى الله عليه وسلّم: "ما يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة"
أتعلم ما الذي ينبغي أن تُكثر منه في هذه الحياة؟ وألّا تَمِلَّ من تِكراره؟
إنه الاستغفار!!
قال نبيك عليه الصلاة والسلام: "طوبى لمن وُجد في كتابه استغفارًا كثيرا".
اسمع لربك الذي يعلم كل ذنب سيقترفه عباده من لدن آدم وحتى قيام الساعة.
يعلم بتفاصيل تلك الذنوب وخطواتها وشناعة أمرها.
قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].
المهم أن تَسبِقَ كلمة أستغفر الله، بالإقلاع عن الذنب.
أن تتوقف.
قال تعالى: (فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [البقرة: 192].
فكيف تقول: " اغفر لي خَطَئي"، وأنتَ عاكفٌ على الخطأ؟
كيف تمسح معصيتَك، ثم تعود لكتابتها من جديد؟
توقف، لتصبح كلمة أستغفر الله صادقة، تستحق أن تُفتح لها أبواب السماء.
استشعِر معي قول الله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [النساء: 110].
ألست مشتاقًا لأن تجد الله غفورًا رحيمًا؟
استغفره إذن.
والغفور يغفر دائمًا، فيغفر ما بين الصلاة والصلاة، وما بين العمرة والعمرة ، وما بين رمضان ورمضان، وما بين الحج والحج، إذا ما اجتُنِبَت الكبائر!
فصارت بذلك حياة العبد كلها ما بين مغفرة، وعفو وعفو، وتجاوز وتجاوُز!
ويغفر بكرمٍ، فيغفر كل الذنوب بصيام يوم واحد في السنة!
ويغفر كل الذنوب بأن تقول: سبحان الله وبحمده، مئة مرة.
أي في دقيقتين، تتساقط عنك ذنوب سبعين سنة!
أفي الكرم مثل هذا؟