الصَّمَدْ اسمٌ كما ترى بالغ الهيبة، قويّ الحروف، شامخ المعنى، قليل الوُرُودِ والذِكْر، ذو جلالة خاصّة.
وكأنّ الصُمُود له سبحانه هُو أهم تجليّات الإخلاص في العبادة، فمَنْ أكثَرَ من استحضار معنى الإخلاص في عباداته، أكسب قلبه صفة الرضوخ إلى مولاه والصمود له وعدم الالتجاء إلا إليه.
الصَّمَدْ هو من تصمد إليه الخلائق، أي تلجأ إليه، هذا من أجلّ معاني هذا الاسم.
الصَّمَدْ هو المقصود في الرغائب.
المستغاث به عند المصائب.
والمفزوع إليه وقت النوائب.
جاء ذكره في سورةٍ مِنْ أعظم سُوَر القرآن، ومِنْ أقصرها، وهي سورة الإخلاص التي تَعْدِلُ ثلث القرآن الكريم.
قال تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدْ . اللَّهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص: 1-2]
في كل لحظات حياتك، أنتَ بحاجة إليه، فإن لم ترجع إليه اختياراً رَجِعتَ إليه اضطرارًا.
المُزارع إذا تأخر وقت الحصاد، وقد تعاظمت حاجته للثمر، وصار الماء شحيحاً، نظر إلى السماء وقال: يا الله!
رُكّاب السفينة إذا تلاطمت بهم الأمواج، وزعزعت فكرة الموت طمأنينةِ الحَياة في نفوسهم قالوا: يا الله !
قال النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ، لِحُصَينَ بنَ عُبَيْدِ بن خَلفِ الخُزاعي رضيَ اللَّهُ عنْهُ: "كم تعبُدُ إلهًا؟"،قال: "سبعة، ستَّةً في الأرضِ، وواحدًا في السَّماءِ"، قال: "فأيُّهم تُعِدُّ لرغبتِكَ ورَهبتِك؟"، قال: "الَّذي في السَّماء"، قال: "أما لو أسلمتَ، علَّمْتَكَ كلِمتينِ تنفعانِكَ"، فلمَّا أسلمَ حُصَينٌ، قال: "يا رسولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي الكَلِمَتينِ الَّتي وَعَدْتَنِي". فقال: "قل اللّهمّ ألْهِمني رُشدي وقِني شرِّ نَفسي".
لقد اقتنع بسبب معنى الصَمَديَّة، لأن من تصمد إليه وقت الرهبة والرغبة هو وحده من يستحق أن تسجد له!
إذا بحثت عن شيء فلم تجده فدعهُ، وانشغِل بالله.
فهو الذي جعل ذلك الشيء يَضيع لتصمد إليه وتلتجئ، لتقول: "اللهم رُدَّ عليّ ضالّتي"، فيردّها.
يريدك أن تنشغل به عن حاجتك، ولكنّك تنشغل بها، وتنساه.
لماذا ننتظر جائحة تردنا إليه؟ ومصيبة تذكرنا باسمه. وكارثة نعود بها إلى المسجد.
ألا يستحق أن نخضع ونلتجئ إليه دون جوائح وكوارث ومصائب؟
عَدِّل بُوصْلَة قلبك باتجّاهِه، ثم سِرْ إليه ولو حبوًا على ركبتيك، ستصل.
قال تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) [البقرة: 115]
أعجبتني مقولةٌ نَقَلَهَا أبو حامد الغزالي عن أحد العارفين، يقول فيها عن اسم الله الأعظم: "فَرِّغ قلبك من غيره، ثم إدْعُهُ بأي اسمٍ، يَجِبُك".
وهذا فحوى معنى الصَّمَد، اجعل في قلبك الله، ثم قل أيّ شيءٍ من مرضاته سيكون إلهيّ المَسحة، وربّاني الصبغة..
إذا علّمت روحك الصمود إليه، فإنها مع الزمن ستستحي أن تُكثِر من الطلبات الدنيويّة لأنّها ليست الحيّز الذي خلقك له.
لا يستطيع العالَم كلّه أن يَمِسَّكَ بسوءٍ لم يُرده الله، ولا يستطيع العالم كله أن يدفع عنك سوءاً قدّره الله.
إذن فاجعل وجهك إليه، وأَلجِئ ظهرك إليه، وفوّض أمرك إليه.
فهو الصَّمَدُ، الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
اللهم أَصْمِد قلوبنا إليك، واجعلنا لا نطلب غيرك ولا نسأل سواك ولا نستغيث بأحد من خلقك يا الله.