من معاني اسم الجبّار: الذي يَجْبُرَُ أجساد وقلوب عباده.
فالعيش في كنف الإله يمدنا بِمَراهِم الصحة، وضُمَّادات السعادة، ومُسَكِّنَات الأوجاع، ومُضَادّات الهموم. فهو سبحانه عَلِمَ أنّ كُسُورا ستعتري عبادهُ في أبدانِهم، وقلوبِهم وحياتهم. كُسورًا تترك نُدوبها على جِباههم، وآثارها على أرواحهم.
لذلك تولى جَبْرَها بِرَحْمتِه، وسمّى نفسه بالجبّار، ليُعْلِم عباده أنه هو القادر على جَبْرِها فيلتجئون إليه.
انكسارات الحياة عديدة، حادثٌ تتكسر فيه العظام، إهانةٌ تتحطم منها النفس، فقرٌ تنحني معه الروح، مرض تنهار عنده القوى، وبقدر هذه الانكسارات تتفتّح أبواب السماء بضُمادّات الرحمة.
كم من يتيمٍ أوجعتهُ نظرة صاحبه المتغطرس، ولولا الجبار لتحطمت نفسه للأبد.
وكم من ضعيف صفعته الحياة بيد أحد الأقوياء، لولا الجبار لظل منحني الرأس طول الحياة.
وكم من فقير أذلته كلمة قالها له أحد الأثرياء، لولا الجبار لبقيت تلك الكلمة وَصْمَةً يُعيَّر بها طيلة عمره.
يَجبُر الكسير، ويساعد الضعيف، ويرفع من شأن الصغير.
تُضمّد رحماتهُ جِراح النفوس.
نحن نعرف أشخاصًا عانوا من شدة آبائهم ومع ذلك خرجوا غاية الرحمة!
عانوا من سخرية أقرانهم، ومع ذلك صاروا متميزين ناجحين!
عانوا من الأنيميا، والسل، وحساسية الصدر، وكبروا فصاروا أصحاء أقوياء!
أين تلك العُقَد، وأين آثار تلك الأمراض؟
لقد جُبِرَت، لقد أذهبتها ضُمّادات الرحمة، لقد قَدَّر لها الجبار أن تختفي.
شُرع لنا أن نقول بين السَجْدَتين: "اللهم اغفر لي وارحمني وعَافنِي وارزقني واجْبُرْنِي".
وكأننا نتكسر في اليوم كثيرًا فنحتاج أن يجبُرنا الله كثيرًا!
ينزل رسولنا صلى الله عليه وسلم من الطائف محملا بِقَدْرٍ عظيم من الحزن والحرقة والانكسار، بعد أن أدمى السفهاء عَقِبَيْهِ الشريفتين بالحجارة.
يراه ملك الملوك.
ملك الدنيا والآخرة.
يراه حبيبه سبحانه.
يرى قلبه المكتظ بالآلام.
فيُرسل جبريل ومعه ملك الجبال، لينهي تلك الحُرَق، يُرسله في مُهِمَّةٍ خاصة تتعلق بدَكْدَكةِ الجبال الراسية!
فينظر ملك الجبال إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في أحزانه التي جعلته يمشي من الطائف فلا يفيق إلا بقرن الثعالب.
فيقول: "أمرني الله أن أمتثل لأمرك يا محمد، فإن شئت أن أُطْبِقَ عليهم الأخْشَبَينْ فعلتُ".
إذا أراد الله أن يَجْبُر كسرك، أَهْلَكَ مدينةً بأكملها لأجلك!
ولكن محمدًا عليه الصلاة والسلام يعفو عنهم.
وعندما شعر نوحٌ بالهزيمة والانكسار، نظر إلى السماء ودعا ربّه: (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ)،
ففتح الملك سبحانه أبواب السماء بماء منهمر، وأغرق الكرة الأرضية لأجل نوح عليه السلام!
هل يستطيع غير الله أن يَجْبُر كسور الروح بمثل هذا؟