في اللغة: "اللطيف هو البَر بعباده، المُحسِن إلى خلقه بإيصال المنافع إليهم برفق ولطف".
واللطيف أصلهُ خفاء المسلك ودقة المذهب.
فلن يصل إحسانه تعالى لأحدٍ من البشر، إلا لمن يصل علمه إلى دقائق الأمور وخفايا النفوس.
فالله سبحانه هو المحسن إلى عباده في خفاء وستر من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم أسباب معيشتهم من حيث لا يحتسبون.
وتأتي بلطفه عظائم المقادير والتي تستبعد أكثر العقول خيالا وقوعها؛ فيجعلها الله كائنة حاضرة.
وأنت لا تعلم كيف أمكن الله ذلك الشيء أن يَحْدُث، وتتيقن، أن حولك وقوتك أقل من أن تُحْدِثَه، فتنظر إلى السماء وتقول:
﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) [الشورى: 19]
عندما أراد اللطيف أن يُخرج يوسف عليه السلام من السجن، لم يُدَكِّك جدران السجن، لم يأمر ملكا أن ينزع الحياة من أجساد الظَلَمَة، لم يأذن لصاعقة من السماء أن تقتلع القِفْل الحديدي، فقط جعل المَلِك يرى رؤيا في المنام، تكون سببا خفيا لطيفا، يستنقذ به يوسف الصِدِّيق من أصفاد الظلم!
ولما شاء اللطيف أن يعيد موسى عليه السلام إلى أمه، لم يجعل حربًا تقوم بقيادة ثوار بني إسرائيل ضد طغيان فرعون، لا بل جعل فم موسى لا يستسيغ حليبِ المرضعات! بهذا الأمر الخفي يعود موسى إلى أمه بعد أن صار فؤادها فارغًا!
ولما شاء اللطيف أن يخرج رسولنا عليه الصلاة والسلام ومن معه من عذابات شِعب بني هاشم، لم يرسل صيحة تزلزل ظلم قريش، فقط أرسل الأرَضَة تأكل أطراف وثيقة الظلم وعبارات التحالف الخبيث، فيصبحون وقد تكسرت من الظلم العُرى، بحشرة لا تكاد تُرى!!
وكم للهِ من لطفٍ خفيّ ..... يدق خَفَاه عن فهم الذكيّ
وكم أمرٌ تُسَاء به صباحا ..... فتأتيك المسرة في العشيّ
إذا ضاقت بك الأحوال يوما ..... فثق بالواحد الفرد العليّ
يقول الشيخ السعدي: "وهو اللطيف الذي أحاط علمه بالسرائر والخفايا، وأدرك البواطن والخبايا".
مهما تباعدت أحلامك، فاللطيف يأتي بها.
قال تعالى: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [لقمان: 16]
فلا تيأس وربك لطيف لما يشاء.
تأمل حبة الخردل!
إنك لا تكاد تراها إن لم تكن مُحدِقًا فيها. انظر إلى حجمها بالنسبة لكفك، ثم قارن حجمها بالأرض، ثم بالسماوات الفسيحة، ثم ثِق، إن أرادها الله فسيأتي بها. (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [لقمان: 16]
فمَن بَلَغَ بِلُطفِهِ أن يأتي بحبة الخردل من متاهات هذا الكون العظيم، ألا يمكن لِلُطفهِ أن يقود قَدَرا إليك؟
بلى والله.
ألا يستحق هذا اللطيف أن تحبه؟
أن تتأمل عطاياه؟
أن تزيد في قلبك من ذِكرهِ ومُراقبته ورجائه وخوفه؟
قُل في خشوع: "يا خفيّ الألْطَاف، نَجِّنَا مما نخاف".
اللهم يا لَطيف أُلْطُف بِنا، وأُلْطُف لنا، وقدِّر لنا من ألطافِكَ الرحيمة، ما تُقَوّمُ به عِوَجَ نفوسنا، وتَهدي به ضالّ قلوبنا، وتُجَمِّل به شَعثِ حياتنا.