يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: "الحفيظ الذي حفظ ما خلقه، وأحاط علمه بما أوجده، وحفظ أولياءه من وقوعهم في الذنوب والهلكات، ولَطِفَ بهم في الحركات والسكنات".
منتهى الحفظ عنده، وغاية الرعاية لديه، وأقصى الطمأنينة ستكون وأنت بمعيته.
الله يحفظ عبده، لذلك نقول دائما: "اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي".
إنك تستحفظ الله جهاتك الست، إنك تطلب منه هالة حفظٍ تحوطك من جميع الجهات، ولا يقدر على ذلك إلا هو.
يحفظ سمعك وبصرك، لذلك ندعوه في الصباح والمساء: اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري.
لو لم يُثَبِّتْ قلبك على دينه، لتناوشتك الشبهات، وتَخطَّفَتْكَ الأهواء!
علماءٌ أَفْنَوا أعمارهم بين الكتب والمحابر لم يُرِدْ الله أن يحفظ عقائدهم: فكفروا به سبحانه، وبعضهم صار مبتدعاً في الدين، وأنت بعلمك القليل ما زلت تسجد له؟
لقد حفظ الحفيظ دينك!
لا تَغْتَرَّ بعلمك، ولا بحفظك لكتاب الله، ولا باستظهارك لشيء من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، واللهِ ستزيغ إن لم يحفظ الله دينك!!
يحفظ حياتك، لذلك نستودعه سبحانه أحِبَّتَنَا عندما نفارقهم ونقول: "أستودعك الله الذي لا تَضِيعُ ودائعهُ. يستحيل أن تَضِيعَ الودائع التي أسبغ عليها الله حفظه وأحاطها برعايته".
كلّ حادث ينجو منه صاحبه، وراءه حفيظٌ أَنْجَاهُ منه.
نتذكر فائدة مانع الانزلاق، وفائدة كابحِ السرعة، وفائدة البالون الواقي، وفائدة حزام الأمان، وننسى الله!
إذا صفعت الأمواج العاتية السفينة، وبلغت القلوب الحناجر، من الذي يحفظ السفينة من أن يبتلعها المحيط؟
رأيتُ تسجيلا لسفينة تلعب بها الأمواج، كان منظر من في السفينة وهم يندفعون بعنف من أقصاها إلى أقصاها مؤثرا، فهم لا يملكون شيئاً، حتى التفكير لا يستطيعونه، الشيء الوحيد الممكن بالنسبة لهم هو محاولة التشبّث بأي شيء.. ثم لما انتقلت الكاميرات للخارج.. رأيت السفينة قشة صغيرة في وسط الأمواج العاتية!
يقول تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعد: 11]
لأجلك أنت، يأمر الحفيظ سبحانه، أربعة ملائكة أن يحيطوا بك حتى يحفظوك بأمره، من كل ما لم يُقدِّره عليك.
شاهدتُ وبذهول المقطع الذي تظهر فيه حادثة محاولة اغتيال الشيخ عائض القرني في الفلبين، وكيف أن المجرم وجه إلى صدر الشيخ عائض ست رصاصات من مسافة متر تقريباً، ولا حائل بين الطلقات والشيخ، والقاتل يبدو أنه محترف، ولا توجد مقاومة من الشيخ أو من مرافقيه.. ثم يخرج الشيخ من تلك المحاولة الآثمة سليماً معافى.
وأتذكر كيف أن طلقة واحدة ومن مسافة بعيدة، أودت بحياة الرئيس الأمريكي جون كينيدي مع أن سيارته كانت تتحرك، وحوله الحرس والجنود!
ثم يعلن الشيخ أنه كان قد ذكر الله، وحصَّن نفسه بالأدعية!
هذه الحادثة درسٌ متكامل بل كتاب من عِدّة أجزاء في معنى اسم "الحفيظ"!
إذا خرجتَ من بيتك وخشيت على أطفالك فقل: أستودعكم الله الذي لا تَضِيعُ ودائعه، وسيعودوا بإذن الله وهم في أحسن حال، لأنه الحفيظ!
إذا ألجأتك الظروف أن تترك شيئا ثميناً في مكانٍ عام أو مكان غير آمن، فانزح بقلبك إليه وقل: "اللهم احفظه"، وثق أنّ عين الله ستكلَؤه إلى أن تعود.
ومن صور حفظ الله أنه سبحانه يدافع عن المؤمنين. قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا) [الحج: 38].
تأمّل.... إنه لا يدفع عنهم الشر، بل يُدافعه عنهم! وفي هذه إلماحة إلى ضراوة ما سيلاقونه وتعدد أشكاله وتنوع صوره، ولكن الله أعلم بأعدائه، فيدافعهم ويصدهم عن أحبابه.
وفي الحديث القدسي يقول تعالى: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب".
تخيل: حرباً بين عدو للدعوة وللحق وللدين، وبين الله !
مَن المنتصر؟ مَن المهزوم؟ بل مَنِ المَخْذُول؟
إنه لعباده المؤمنين حفيظ، يحفظهم حفظاً خاصاً، معه الحب، والرعاية، والرحمة.
يتجمع مشركو قريش حول غَارٍ فيه رجلان: محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، والإغراءات المالية تدفعهم لقتلهما، ومعها الأحقاد الدفينة، والرغبة في حوزة وسام الظُفر بأهم شخصية في تلك الفترة.
فيتسلل الخوف إلى فؤاد أبي بكر، فينظر إليه صاحبه العظيم ويقول: ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ يا أبا بكر، هل تعتقد أننا اثنان؟ كلا، بل نحن ثلاثة".
هنا تتشتت المخاوف، تزول الرعدة، يذوب التوجس.
وإذا العناية لاحظتك عيونها ....نَمْ، فالمخاوف كُلُّهنّ أمانُ
ها هم فِتْيَة الكهف يلتجئون إليه، ويسألونه الهداية، فيُلجئهم إلى كهفٍ بلا باب، كهفٌ مفتوحٌ للبشر والهوام والسباع، ولكنه يريد حفظهم فيلقي عليهم أحد جنوده، إنه جندي الرعب!!
فلا يقترب من الكهف أحد إلا وانتزع الرعب رغبته في التقدم فتراه يَهْرَع خائفا.
قال تعالى: (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) [الكهف: 18]
ويحفظك سبحانه بالملائكة، فمن قرأ آية الكرسي قبل أن ينام أوكل الله به مَلَكًا يقوم على رأسه، يحفظه مما لم يقدره الله عليه.
تخشى مِن أي شيءٍ إذا كان الله معك؟
لا همٍّ ولا غمٍ ولا كربٍ يُقارب همَّ وغمَّ وكربَ ذِي النون يونس عليه السلام، في ظلماتٍ ثلاث: ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت.
يا لها من حياةٍ بَئيسةٍ تلك التي ستقضيها إلى أبد الآبدين في بطن الحوت على تلك الهيئة الكئيبة.
ظلامٌ..
ضِيقٌ..
اختناق..
ثم يواجه ذلك السيل من الكروب بكلمة واحدة: (لا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87]
فتصعد تلك الأحرف الضعيفة، تخترق ظلمة الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل.
تصعد إلى السماء.
ويُرْوَى أنّ الملائكة سمعتها فقالت: يا رب، صوتٌ معروف من مكان غير معروف!
فيجيء الفرج، ويجيء الحفظ، ويجيء العفو.
فيُلقيه الحوت بالساحل، وينبت عليه الحفيظ شجرةً من يقطين.
كلنا في هذه الحياة ذو النون، والحياة قد حاصرتنا بكروبها، ولن ينجينا منها إلا: "لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين".