الشافي من أسمائه سبحانه التي نَحْمِدُه عليها، نَحْمِدُهُ أن تَسَمَّى بهذا الاسم، وأن اتَّصَفَ بصفة الشفاء، وأن كان هو وحدهُ من يشفي ويعافي أجساد عباده، وهو اسم يفضح عن معناه، ويعكس ظاهره خبايا باطنه.
والشفاء متعلق بالمرض، فالحياة حقل أمراض وأوجاع وتنهدات.
لذلك فقد سَمّى الله نفسه بالشافي، لتسجد آلامك في محراب رحمته، وتُنَكِّس أوجاعك رأسها عند عتبة قدرته.
قدّر الله المرض على الإنسان حتى يتذكر شيئا أشبه ما يكون بهذا المرض.
إنه الموت!!
فكما أن المرض نهاية الحيوية، فكذلك الموت نهاية الحياة.
أيها الإنسان، إن حقيقتك الموت، وإن كل شيء فيك يشبه الموت، نومك موت، مرضك موت، انتقالك إلى مرحلة عمرية، موت للمرحلة السابقة، فالشباب موت الطفولة، والكهولة موت الشباب، إنك أشبه بالموت من الحياة، ومع ذلك فإن الوهم يجعلنا نعتقد أننا مخلدون ولهذا يصرخ المرض بأجسادنا، أنها إلى زوال!
ولأنه الشافي: يشفيك بسبب، ويشفيك بأضعف سبب، ويشفيك بأغرب سبب، ويشفيك بما يُرى أنه ليس بسبب.
ويشفيك بلا سبب.
وهو سبحانه يشفي بالصبر، ويشفي بالدعاء، ويشفي بالصدقة، ويشفي بالاستغفار، ويشفي بالتوبة، ويشفي بالرضا، ويشفي بلا شيء.
يُمرِضُكَ، لتعود إليه.
فإذا عُدتَ، رفع المرض، إذ أنه لم يعد للمرض فائدة.
يُمرِضُكَ ليختبر صبرك ورضاك، فإذا صبرت ورضيت، رفع المرض لأنه لم يعد للمرض فائدة.
هذا هو أبو الأنبياءِ إبراهيم عليه السلام، الذي جاء ربه بقلبٍ سَليم، سليمٌ من أي ذرةِ شِركٍ قد تعتري قلبًا ضعيفًا.
قال تعالى: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء: 80]
يقولها عليه السلام حتى يفهم المؤمن الدرس، ولا يلتجئ إلا للحي الذي لا يموت.
هو وحده. لا أحدٌ سواه يشفيني.
ضع نقطة هنا.
لن تحتاج إلى غيره إذا أراد شفاءك، ولن يفيدك غيره إذا لم يُرِدْ.
يمسّ الجُدَري جسد أيوب عليه السلام، تتشتت أسرته، تتبعثر أملاكه.
أكثر الناس تفاؤلا يفقد الأمل في شفائه، وهو صابر محتَسِب.!
تشتعل الأسقام في جسده وهو مُنكِّس الرأس لمولاه. وبعد سنوات البلاء، يَنِدُّ من شفتيهِ دعاءٌ ممتلئٌ باليقين:
قال تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: 83]
فإذا بأبواب السماء تنفتح بالرحمة.
وإذا بالأوامر العليا تنزل من فوق السماء السابعة لأجل ذلك المهموم المكروب.
لتنتهي في ساعةٍ واحدةٍ سنوات من العذاب، ويأتي أخيرًا عهد الشفاء.
قد يكون الدواء أقرب إليك مما تظن!!
فها هو أيوب عليه السلام يُؤمَر أن يضرب برجله الأرض. قال تعالى: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ [ص: 42]
لقد كان الدواء بالقرب منه، لم يكن ينقصه إلا مشيئة الله حتى تكتمل أسباب الشفاء، فلما شاء الله، علم أيوب مكان الدواء فنجعَ الدواء بإذنه سبحانه.
دواؤك فيك وما تشعر ......... وداؤك منك وما تبصر
المرضُ من أقسى اختبارات الرضا، فإذا كانت إجاباتك في هذا الاختبار راضية، كانت النتيجة مُرضية بإذن الله.
قد يسأل البعض: كيف أرضى بالمرض وفيه الألم؟ كيف أرضى بالشيء الذي أكرهه؟
يجيب الإمام ابن القيم عن هذا التساؤل قائلا: "لا تَنافي في ذلك، فإن يرضى به من جهة إفضائه إلى ما يُحب، ويكرهه من جهةِ تألمه به، كالدواء الكريه الذي يعلم أن فيه شفاء، فإنه يجتمع فيه رضاه به، وكراهته له".
قل ما أمر به نبيك أمته أن تقول: "رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا".
قُلْهَا بقلبك، بل رَوِّض قلبك على الرضوخ لمعناها،.
فالرضا عن اللهِ فرع عن الرضا بالله، وإذا رضيت به، أرضاك.