اسم الله: الهادي

الهِداية أصلها اللغوي يدل على الميل، وكأن الهداية ميل عن الخطأ إلى الصواب، وعن الضلالة إلى الرشد.

فهو سبحانه يَهْدِيك، فيُحَرِّفُ مسارك عن الضلالة إلى الرشد، وعن الغواية إلى الطريق الأقوم، وهو يهدي جميع خلقه هِدايات متعددة بحسبهم وبحسب أحوالهم:

فالأعمى هدايته أن يسير على الطريق.

وهِداية الأصَمّ أن يفهم ما يُقال.

يَهدي التائهين في الصحاري.

ويَهدي المكتشف إلى الاختراع..

ويَهديكَ بما تظنه صدفة، يَهديكَ بآية تسمعها في صلاة، ويَهديكَ برؤيا تراها، ويهديك بنصيحة عابرة، ويهديك بكلمة تقع عينك عليها في كتاب، ويهديك بظروف تدفعك إلى الصواب، ويهديك بالخوف، ويهديك بالحب، ويهديك بالموت!

أما سماع القرآن فأصل الهدايات، ومن أعظم ما جعله الله سببًا لهداية عباده، فقد ضَمنَ فيه كل أسباب الهداية والرشد،

قال تعالى: (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: 9]، فيستحيل على عالم عامل بما في القرآن أن يصاب بزيغ أو انحراف أو نكوص!

وقصة إسلام عمر بن الخطاب معروفة، فقد دخل على أخته والشر يتطاير من عينيه فلما قرأ في صحيفةٍ معها أول سورة طَهَ، سجد قلبه في محراب الإيمان. تُرى ما هو الشعور الذي شعر به؟

وما هو اليقين الذي نزل قلبه في تلك الساعة؟

وكم في القرآن من هِدَاياتٍ غَضَضْنَا عنها طرف التدبر؟

وكم فيه من إرشادات انقفلت عنها قلوبنا؟

لا يَهديكَ لأنك فلانٌ ابن فلان، بل لأنه شاء أن يَهديَك!

قال تعالى: (يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [البقرة: 142]، فقُم بإصلاح قلبك إلى تلك المشيئة الغالية.

وقد يَهْدِيكَ ثم لا تقوم بواجب تلك الهداية من شكرٍ وعملٍ بِمُقْتَضَاهَا، فيسْلُبها منك.

مثل ذلك الرجل الذي آتاه الله آياته. قال تعالى: (فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الأعراف: 175].

وقد يَهْدِيكَ فتَشْكُرُهُ وتعمل بِمُقْتضى الهداية، فَيَمِنُّ عليكَ بهدايةٍ أخرى، فَتشْكُرُهُ وتعمل بِمُقتَضَاهَا، ثم يتفضّل عليكَ بهدايةٍ ثالثةٍ ورابعة، ويجعل حياتك هِدايات مُتتالية.

فهؤلاء فتية الكهف هداهم بأن جعلهم مؤمنين، ثم هداهم أيضًا بأن جعلهم صابرين على إيمانهم، ثم هداهم بأن دَلَّهُم على طريق النجاة، ثم هداهم بأن هيأ لهم حالًا أنجاهم بها، بأن ضرب على آذانهم في الكهف سنين عددا، قال عنهم سبحانه: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى). [الكهف: 13].

إذا أراد هدايتك، جعلَ ورقةً ملقاةً على الأرضِ تُعيدك إليه!.

مما يُذكر أن رجلا كان يترنح في سكك مدينته مخمورًا، فرأى ورقةً مُلقاة، كُتب عليها اسم الله.

فقال باكيًا: اسم الله على الأرض!

فحمل تلك الورقة وذهب إلى بيته فنظفها وعطّرها وقبّلها ورفعها، ثم نام ليسمع هاتفًا يقول له: رفعت اسمي؟ وعزتي لأرفعنّ اسمك.

فإذا به يستيقظ على الهداية تملأ قلبه، ويتحول من رجلٍ لا هدف له من هذه الحياة، إلى رجلٍ من الصالحين المعروفين في التاريخ!!

اللهم ارزقنا هداية من عندك تنتشلنا من صحراء التيه، وتُوصِّلُنَا إليك، وتُدْخِلُنَا بها جنةٍ عَرْضُها السماواتِ والأرض.

 


لأنّك الله - الجزء الأول
لأنّك الله - الجزء الأول
علي بن جابر الفيفي
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00