هو الذي لا ينبغي أن تتوكل إلا عليه، ولا أن تُلجئ ظهرك إلا إليه، ولا أن تضع ثقتك إلا فيه، ولا أن تعلق آمالك إلا به.
أي عمل تتوكل على الله فيه، انسه تماما، لأنك إن توكلت على الله فهذا يعني أنك وضعت ثقتك في إتمام هذا العمل بمن يملك الأمور كلها.
يقول الحق سبحانه عن نفسه: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا﴾ [المزمل: 9].
يأمرك رب المشرق والمغرب أن تَتخِذهُ وكيلا، فماذا بعد هذا من راحة وعز وشموخ وضمان للتوفيق؟
فقد يريدك أن تقول بقلبك: أنت وكيلي يا الله.
هل هناك غنيّ على وجه الأرض يأمرك ألا تستعين إلا به؟
وألا تتوكل إلا عليه؟ وألا تلتجئ إلا له؟ لا وجود لهذا الغنيّ على الإطلاق، لأنه ليس من طاقة البشر أن يحموك من كل شيء ويكفوا عنك كل شيء ويُعِينُوك على كل شيء.
الله وحده من يقول ذلك، ويفعل ذلك، ويقدر على ذلك!
التوكل يقينٌ قلبيّ، يَحيلك إلى سائرٍ تحت مظلة عظيمة تَقِيكَ من حر الهموم، ومطر المكائد، ورياح الدنيا المقلقة..
المحروم وحده هو من لا يُقَدِّر هذه المظلة ومن لا يحاول السير تحتها.
اقرأ:
قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء: 219].
لو قال لك أحدُ ملوك الدنيا، وكِّلنِي في أن أنتزع حقك من فلان الظالم،
فقط وَكّلنِي، هل سيراودك شك في أن حقك لن يصل إليك؟
قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) [الفرقان: 58].
لقد طاشت الآن كل صور الحاجات في نفسك، أليس كذلك؟
لم يعد للخوف وجود، ولا للتردد مكان، ولا للاحتمالات سبب!!
الله سيحول جميع مشاكلك إلى حلول، وكل آلامك إلى عافية، وكل أحلامك إلى واقع، وكل دموعك إلى ابتسامات.
حتى لو لم يظلمك أحد، توكل عليه!
ليس التوكل مَنجاة من ظلم الظالمين! وإعانة على عمل معين فحسب!
التوكل هو أوكسجين حياتك، هل تستطيع العيش بلا أوكسجين؟
دعك من حاجاتك وأحلامك وهمومك، دعنا نتخيل أنك إنسان بلا حاجات وبلا أحلام وبلا هموم وبلا أمراض، أنت تحتاج أن تتوكل عليه ليحبك.
ألست تريده أن يحبك؟ قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159].
يأتي بعض الناس ليثبطوك، لينقلوا لك شيئا من الواقع البشع، ليهزوا يقينك الداخلي، ليلعبوا بأحاسيسك، ليأمروك أن تخشى، وأن تخاف، وأن تتضعضع.
أن تغير موقفك، أو تحرف وجهة مبادئك.
في تلك اللحظة اغسل قلبك بالإيمان وقل: حَسْبِيَ الله ونِعْمَ الوكيل. لحظتها، ستنقلب بنعمةٍ من الله وفضلٍ، ولن يَمِسَّكَ سُوء.
اقرأ بتدبر: قال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ). [آل عمران: 173]
أمّا إصابة السوء لك فلا شك أنها لن تصيبك، ولكن حتى المَسّ الذي كنت تظن أنك لن تنجو من بعضه، لن يَمِسَّك، لن يَلْمِسْ جِلدك قرحٌ، لن ينغز قلبك نَدمٌ بإذنه سبحانه!!
اقرأ بقلب: (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [النساء: 81].
البعض يقول: ليس لنا إلا الدعاء!
عجيب!
وهل هناك قوة أعظم من الشيء الذي ليس معك غيره؟
الدعاء هو من مظاهر التوكل، الدعاء هو تيقنٌ قلبيّ، قبل أن يكون كلماتٍ صوتية، بأنه المستطيع سبحانه كل شيء، وهذا هو التوكل في أوضح صوره!
الذي يقول فلان ليس له إلا الله، قل له: (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [النساء: 81].
وماذا ينقصه إذا كان معه مَلِكَ المُلُوك وربّ المشرق والمغرب؟
تذكر:
(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3] لن تحتاج أحدا أبدا إذا وثقت به وتوكلت عليه وجعلته هو المعين لك في شئونك.
هو حسبك وكافيك وَرَادّ السوءِ عنك.
اللهم اجعلنا متوكلين عليك، ملتجئين إليك، اغمرنا بالإيمان بك، واجعل هذا الإيمان يغسلنا من التعلق بكل ما هو دونك يا الله.