اسم الله: الفَتّاح.

قال تعالى:

﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [فاطر: 2]

إذن فالرحمات تُفتَح، لتتدفق علينا، وتملأنا بالحياة!

إذا أردت رحمة خالدة، دائمة، لا تنقطع فاطلبها منه سبحانه. فقط الذي عليك فعله حيالها أن تكللها بشكره، فذلك الشُكر هو من شروط بقاء هذه الرحمات والنعم:

قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7]

إن الشكر لا يضمن بقاء الرحمة فحسب، بل ويتكفل بزيادتها!

 

قانون البُشرى

أسَمِعْتَ بقانون البُشرى؟ إن من سنن الله التي ارتضاها وأرادها، أن يبشرك برحمته قبل أن تصلك.

يقول سبحانه ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ [الأعراف: 57].

فهو سبحانه لا يرسل الرحمة وحدها، بل يرسل قبلها البشائر التي تهيئك لتقبل تلك الرحمات، وتَلَقِّي تلك البركات.

ثم بعدها، تبدأ الفتوح بالانهيال عليك من كل جانب، وتستغرب كيف حَدَثتْ كل هذه الأمور، مع أنك بالأمس القريب كنت قد أقنعْتَ نفسك باستحالة أن يتم هذا الأمر!

 

فتحُ الدعاء

ومن غرائب الفتوح أن يفتح الله عليك في ذكره، وحمدِه، ودعائه!

 وللفتح في الدعاء صورتان:

أن يُفتح لك في باب الخشوع والإخبات، فتَذكُر الله وتدعوه، وأنت تحمل في قلبك مشاعر خاصة، تُحيلك إلى إنسانٍ واقفٍ بين يدي الجبار سبحانه، تبتهل إليه وكأنك تراه، وهي من اللحظات النادرة في عمر الإنسان، وجديرٌ بمن استشعرها أن تكون إجابة دعواته أقرب إليه من شِراك نَعله!

وكأني ألمح هذا المقام الدُعائي الرفيع في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر، ذلك الدعاء الذي انهالت فيه دموعه، وسقط فيه رداؤه، وغمرته نفحات كادت أن تُنسِيه وعد الله له بأن يُنيله إحدى الطائفتين، حتى جاءه أبو بكرِ الصِدّيق، مُذكِّرًا له بذلك الوعد.

أما الصورة الثانية فهي أن يَفتحُ الله عليك من محامده في الدعاء والثناء عليه ما لم تكن تعلمه من قبل.  ولا أظن مثل هذا النوع من الفتوح يليق في صورته الكاملة بأحدٍ، إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم في موقف واحد، وهو عند سجوده تحت العرش في يوم العرض الأكبر، فقد أخبر  صلى الله عليه وسلم أنّه يُفتح عليه من المحامد، ما لم يكن يعلم.

 

فُتوح الغرائب.

ومن الفتوحات الربانية أن يعطيك الله العطاء بكيفية، لا يُعطى مثلُها في العادة بتلك الكيفية!

فمن ذلك أن تُعطى عطاءً في مدة وجيزة، لم ينله غيرك إلا في مُدَدٍ متطاولة!

ومن ذلك أن تعطى عطاء تاما في ظروف غير تامة! ولعل قصة تأليف الإمام ابن القيم لسِفْرهِ العظيم، الذي لم يُؤلَّف في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وأعني به «زاد المعاد في هدي خير العباد»  هو خير مثال على هذا النوع من الفتوحات!

فقد ألَّفَهُ في طريق سفر، وهو مكدود الخاطر، مشتت العزيمة، بعيد عن أهله، وعن كتبه!

ومع ذلك، فإنّ أنوارًا ما تغمرك إذا قرأت ذلك السِّفْر المُبارك، تكاد تجزم أنّ روح القُدُسْ أو غيره من الملائكة، كان حاضرًا بأمرٍ من الله تعالى أثناء تصنيفه وتأليفه، يُذكّر الإمام بالمسائل، ويُزيّن له بعض الفصول، ويقرّب منه مفاتيح الوصول.

وليس هناك مجال في هذه الحياة، إلا ولفتح الله فيها نصيب.

 


لأنك الله - الجزء الثاني
لأنك الله - الجزء الثاني
علي بن جابر الفيفي
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00