اسم الله: الحق

من أسمائه سبحانه الحقّ المبين، فهو الحق الذي ليس بعده إلا الباطل.

 ظاهر ظهورا جليا، لا يماري في وجوده، وفي عليائه، وفي جلاله إلا أعمى البصيرة.

وفي كل شيء له آية، وفي كل خلق له برهان، لا تفنى آياته، ولا تنقضي براهينه.

لا يمكن للعبد أن ينظر في حياته نظرة إلا وفيها ما يشير إلى الخالق، أو يسمع همسة إلا وتحتوي على أدلة تشهد بوحدَانيته، ولا يتحرك حركة إلا وفيها آثار رحمة الله تعالى! لأنه الحق المبين

وما سواه الباطل والضلال البعيد!

وصدق أبو نَوّاس حين قال:

وفي كل شيء له آية              تدل على أنه الواحد!

 

انظروا

دائما ما تبهرني آية عظيمة في سورة يونس، وأتوقف عندها طويلا، يقول فيها الرب سبحانه وتعالى: ﴿قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ﴾. لنعد قليلا إلى آية في نفس السورة، يقول الله تعالى فيها: ﴿وَيَقُولُونَ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ﴾ۖ [يونس: ٢٠]!

هم يريدون آية ليؤمنوا، آية واحدة تكفيهم حتى يعلنوا إيمانهم!

فليتأمل كل إنسان الآيات التي حوله، والتي يمكن لعقله فهمها ورؤية عظمة الله فيها.

فقط انظروا حولكم، فكل شيء ترونه هو آية عليه، ودالة واضحة تشير إليه سبحانه وتعالى!

 فما نوع الآية التي تطلبونها؟ وأنتم أنفسكم بعض آياته، وجزء من البراهين عليه!

ومن وضوحه سبحانه وكونه بيّنًا، أنه يظهر على ألسنة الذين يكفرون به!

فهناك في أعماقهم إيمان يسعون إلى دفنه ومواراته، وقد كشف الله تلك الطبيعة فيهم فقال عنهم: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾ [النمل: 14].

والسؤال المؤلم: ما الذي يجعلهم يهربون منه وهو الودود؟ وما الذي يجعلهم ينكرون وجوده وهو الكبير المتعال؟ وما الذي يدفعهم إلى معاندته وهو اللطيف الخبير.

 

وفي الليل.

يقول أحدهم: إن أعتى الملاحدة يتحول في الليل إلى نصف مؤمن!

الليل مرهق جدا بالنسبة لأولئك الذين يعاندون الله ويَكْفُرُون به!

يقول صاحب كتاب: اللامنتمي: «الساعة الآن الثالثة ليلا، وقد أنهيت كتابة مقالة أُنكر فيها وجود الله، وحين ذهبت لأنام لم أستطع إطفاء النور؛ خوفا مما سيفعله الله بي"!

إن الرعب الذي يتسلل إلى قلبك وأنت تسمع صوت الرعود أثناء استلقائك على سريرك ليلا، دليل على أن الذي خلق هذا الرعب في قلبك أراد أن يُذل كبرياءك بشيء من الخوف حتى تؤمن به!

 

طبيعة. طبيعة

سمعت قديما رجلا يدعي أنه ينكر وجود الله، واستعجبت من أنه كلما أراد أن يثبت شيئا حلف بالله! حتى إنه يكاد أن يقول: والله إن الله غير موجود!

يُذكَر أن الشاعر حافظ إبراهيم ذهب مع أحد أصحابه والذي كان ملحدا لحضور أمسية شعرية، وكان الجمهور كلما أعجبهم بيت من القصيدة التي تُلقى، هتفوا: الله الله.

 نظر حافظ إلى صديقه وقال له: وأنت، بماذا ستهتف؟ طبيعة طبيعة؟!!

لا شك أن الذي ينكر وجود الحق المُبين سيكون في مأزَق حتى مع هتافه الطبيعي، وتصرفاته العفوية.

عاصفة هوجاء تضرب إسطنبول، وتقذف بالحديد والخشب والناس، وتُسكِن الرعب في قلوب أولئك الشاخصين بأبصارهم من نوافذ بيوتهم!

وعند أحد الجسور يتردد أحدهم في عبور الجسر بدراجته، كان ينظر إلى الطبيعة التي يعبدها ولا يعبد ربا غيرها وهي تزمجر في وجهه.

ثم دخل إلى الجسر بكفره وعناده، وفي وسط الجسر، يلتقي مع قوة القوي، وجبروت الجبار، يلتقي مع دليل من أدلة الحق المبين، يلتقي مع الخوف والذعر وهو ينكس الكبرياء في نفسه، فيقرر في منتصف الجسر أن يخلع الإلحاد، ويرتدي الإيمان! يقول بعد ذلك: دخلت الجسر ملحدا، وخرجت منه مؤمنا! خرج مؤمنا لأن الله هو الحق المبين! 


لأنك الله - الجزء الثاني
لأنك الله - الجزء الثاني
علي بن جابر الفيفي
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00