اسم الله: القويّ

سبحان من جعل الضعف صفة لازمة للإنسان، ونعتا مصاحبا لحياته القصيرة! فتغلبه الأمراض، ويهزمه الفقر، ويقهره المتكبرون من خلق الله، وجعل سبحانه القوة له، والكبرياء له،

والعظمة له، حتى يلجأ إليه الضعفاء فينصرهم، ويلوذ به المنكسرون فيجبرهم، ويتوجه إليه المكروبون فيرفع ما بهم من كرب.

فهو القوي العزيز، لا قوة تقوم مع قوته، كل الأقوياء ضعفاء على أعتاب جبروته، وكل المتكبرين مساكين في إيوان ملكه.

 

يقهر المتكبرين

النمرود ابن كنعان، الذي يقول: إنه يحيي ويميت، يسلط الله عليه بَعُوضَةً، تَدْخُل من أنفه إلى رأسه، وتظل تُحَرِّك أجنحتها في داخله، فيشعر بآلام الدنيا تهجم عليه، ولا يسكن ذلك الألم إلا بعد أن يُضْرَب بالنعال على رأسه.

الذي زَعَمَ أنه الرب الأعلى، يَغْرِق.

والذي زعم أنه أوتي كنوزه على علم عنده، يخسف الله به وبداره الأرض.

والذي يقول: قبضتُ قبضة من أثر الرسول، فنبذتها، وكذلك سولت لي نفسي، يصيبه الله بمرض نفسي مهلك، فيسير في الصحاري ويقول: لا مساس، لا مساس!

(نيتشه) Nietzsche  يعلن موت الله!  تعالى الله، فيصيبه الله بالجنون، فيقضي آخر حياته متنقلا من مصحة إلى مصحة، ويؤلف كثيرا من كتبه تحت وطأة الوسوسة والهلاوس الغريبة، بما في ذلك كتابه:  «هكذا تكلم زرادشت» .

من الذي جعله يسكن المصحات في آخر حياته؟ من الذي جعله يتكوم في فراش المرض كقطة تعيسة؟

قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنعام: 91].

وكلما كبر في نفس الإنسان شيء حتى وصل إلى المنتهى، بدد سبحانه ذلك الشيء بكلمة منه! ليغدو ذلك الشيء عدمًا، لا وجود له.

تكبر الجبال في نفوس مشركي مكة، ويأتون ليسألوا النبي عنها، وقد ظنوا أنهم أتوا للحديث عن العظمة في أضخم أمثلتها، فإذ بالقوة الإلهية تُبَعْثِرُ ذلك الإحساس في نفوسهم، فيقول الحق:

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا . فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا . لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾  [طه: ١٠٧,١٠٥]

لا يُبقي سبحانه حجرا من ذلك الجبل الذي كبر في نفوسهم إلا وأرداه هباءًا ليس فيه إلا الضعف والاضمحلال!

إن أقوى شيء يمكنك أن تتوارى خلفه ليحميك، ويشتت مخاوفك، ويكون ركنك الشديد في عالمك المخيف جدا هو قوة الله!

فإذا أرهبتك الأمراض فالجأ إلى القوي. وإذا زَعْزَعَتْكَ المخاوف فتوكل على القوي. وإذا هد قواك الظلم فاستجر بالقوي.


لأنك الله - الجزء الثاني
لأنك الله - الجزء الثاني
علي بن جابر الفيفي
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00