الحكمة هي وضع الأمر في موضعه، والحكيم هو الذي يفعل ذلك!
والحكمة من صفاته سبحانه وتعالى، فهو ذو حكمة بالغة، تَظهر أسرارها في كثير من شؤون خلقه وأمره.
حظ الأُنْثَيَين
اعترَض معترضٌ على مسألة من مسائل قسمةِ التَرِكات، وهي أنه إذا اجتمع في الوَرَثَة أبناء وبنات، أو إخوة وأخوات، فتكون القسمة بينهم ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١]!
فظن ذلك المُعترض أن في مثل هذا التشريع العظيم بَخْسًا لِحقّ الأنثى!
فردّ عليه أهل العلم بما أسكتهُ.
فإن الذَكَر وإن أخذ الضعف هنا، فإنه يؤمر بالنفقة هناك! أما الأنثى فتأخذ النصف ثم لا تؤمر بنفقة! فمالها لها، وماله له ولغيره!
فهنا وجه من أوجه الحكمة البالغة!
ثم إن من حكمته وهو الرب العظيم أن يجعل شيئا من الغموض يطرأ على بعض تشريعاته الحكيمة، فيتضمن ذلك التشريع نوعا من الاختبار للعباد، فيظهر المؤمنُ من المنافق، والمسلمُ من المتشكك، فليست كل تشريعاته ظاهرة الحكمة للجميع، حتى يتفاوت بها العباد، وتختلف رتبهم ما بين الإسلام والإيمان والإحسان، بل وما بين الكفر والفسوق والعصيان.. ولله الحكمة الباهرة في كل ما يَخْلِق ويأمر!
أخبِرني
ومما يتجلى فيه اسم الحكيم، تَبَاعُد ما بين دعاء العبد وإجابة الرب، فهو القدير على أن يسرع بالإجابة ويتحقق المطلوب، فلا تنزل يديك إلا والإجابة ماثلة أمامك، ولكن حكمته اقتضت ألا يحدث ذلك في كثير من الدعوات!
أخبِرني عن ذلك الفقير المبتهل الذي يدعو الله قائما وقاعدا، إذا علمت أن الله تعالى أحب منه تلك الدعوات. فالدعاء من أهم العبادات التي ينبغي ألا تخلو منها حياة العبد.
لذلك فإنّ الدعاء والالتجاء إلى الله أمر محبوب عنده سبحانه وتعالى؛ لأن عبده في تلك الحالة يكون قد تلبس بأسمال العبودية، فاستحق بها هِبات الربوبية.
وقد قال أحدهم: «لا تحزن إذا أرهقتك الهموم، وضاقت بك الدنيا بما رَحُبت، فربما أحب الله أن يسمع صوتك وأنت تدعوه».
إذًا .. ما هو الفقر أمام زخات الرحمة والرضا التي تهب على ذلك الفقير من كل جانب، مع ما ينتظره من أجر الآخرة الأعظم؟؟؟
فإن ظهرت مع الفقير حكمته سبحانه وتعالى، فهي كذلك مع المريض، والمكروب، والمحتاج.
وبعد، هل آن لنا أن تسجد أرواحنا للحكيم الخبير، وأن نعلم أن حكمته أعظم من تساؤلاتنا، وأنه لا يُقدِّر إلا الأصلح، ولا يُشَرِّع إلا الأحسن، ولا يَقضي إلا بما هو خير؟