اسم الله: العليم
كانت عائشة رضي الله عنها في طرف البيت إذ جاءت خولة بنت ثعلبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها! فكان الكلام يخفى على عائشة، تسمع شيئا ويخفى عليها شيء.
وما هو إلا زمن يسير حتى أنزل الله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [المجادلة: 1]
فكانت أمنا عائشة رضي الله عنها تقول بعد ذلك: «الحمد لله الذي وسِعَ سمعُه الأصوات!»
ذعرٌ ما أصيبت به عائشة! إذ كيف لصوت بينها وبينه أمتار لم تسمعه، ثم يسمعه الله من فوق سبع سماوات!
إيمانيًا المسألة سهلة، وكلنا نعلن إيماننا بها! ولكن عندما تَحدث تفاصيلها بين يديك وأنت تشاهد ذلك لا يمكنك إلا أن تدهش وتخاف وتعلم أنك تحت علم الله المحيط بكل همساتك وأفكارك وخيالاتك!
إلا يعلمها.
قال ابن الْمُسَيِّبِ: بينما رجل واقف بالليل في شجر كثير وقد عَصَفَت الريح فوقع في نفس الرجل: أترى الله يعلم ما يسقط من هذا الورق؟
فنودي من جانب الغيضة بصوت عظيم: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].
كل هذا العدد الهائل: عند ربك عزّ وجلّ عدده!
ولكن انتظر، هل قال تعالى: يعلم عددها؟ أم قال: يعلمها»؟
ليس فقط العدد! إنه يعلم كل ما يتصل بها من معلومات!
يعلم حجمها ووزنها، يعلم عدد العروق التي فيها وكيفية تفرعاتها، يعلم مذاقها وما تحتويه من مواد، يعلم اللحظة التي سقطت فيها، بل وقبل ذلك، اللحظة التي وُجدت فيها!
يعلمها
ثم يقول الحق: ﴿۞ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ﴾ [الأنعام: 59] إلا يعلمها كذلك.
ثم يقول جامعا كل ما نتخيل وما لا نقدر على تخيله: (وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [الأنعام: ٥٩] وهل الكون بكل مجراته وذراته إلا رطب أو يابس؟
كل شيء، نعم كل شيء يعلمه سبحانه!
هناك طمأنينة
نعم هناك طمأنينة تَعُمّ كَيَان المؤمن؛ حين يتيقن أن ربه بكل شيءٍ عليم.
عندما يعلم ربك ووليك وحاميك كل شيء عنك! فممن تخاف؟ وعلى ماذا تحزن؟ ولماذا تهتم؟
مريح جدا ومطمئن جدا إيمانَك بِعِلْم ربك.
إنك لن تحتاج في دعائك له أن تسرد كل التفاصيل، يكفيك أن تقول: يا رب ارفع عني ما أصابني! لأنه لا أحد أعلم منه بما أصابك، ولا بكيف يرتفع عنك هذا المصاب!
خبرني عن شعورك وأنت تقرأ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر: 44] .
ألا تجعل هذه الآية قلبك مطمئنًا؟
الإنسان ذلك المكشوف.
تعال إلى تلك الخيالات التي تطوف بعقلك، وتلك الهمسات التي تبديها بحذر، هي كلها مكشوفة عند الله. يقول تعالى: ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ [المائدة: 99]
ويقول سبحانه: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].
يقول الإمام القرطبي: "يعني ألا يعلم السرّ من خلق السرّ".
فليس ما تفصحه إلا جزءا يسيرا مما تنطوي عليه نفسك، إن نفسك لتقف بكليتها أمام علمه مكشوفة مفضوحة: قال تعالى: ﴿وإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: 7]
السر نعلمه، ولكن ما هو الأخفى من السر؟
إنه كما يقول المفسرون: الوساوس! تلك التي لم تبلغ حد الفكرة! ومضات خافتة لا تكاد تظهر! يعلمها سبحانه: قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: 16]