خاطب الله تعالى الملائكة قائلا لهم: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ﴾ [البقرة: 30]، فالله يعلم أن ذرية آدم سوف يخلف بعضها بعضا، وقد أخبرهم الله تعالى بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته، فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف لا على وجه الاعتراض كما توهم بعض جهلة المفسرين: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ﴾ [البقرة: 30]، وقيل إن الملائكة قد علمت بذلك حينما اطلعت عليه من اللوح المحفوظ، وقيل أيضا إنها علمت ذلك لأن الجن كانت تسكن قبل آدم بألفي عام، وأنها سفكت الدماء، حتى طردهم الله عن طريق جند من الملائكة.
ثم بين الله للملائكة شرف آدم عليهم في العلم، فقال تعالى: ﴿وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) [البقرة: 31]، وهي الأسماء التي يتعارف بها الناس، مثل إنسان، أرض، جبل، وغيرها، أي علّمه أسماء الذوات وأفعالها مكبرها ومصغرها.
يقول تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 34]. وهنا يظهر إكرام عظيم من الله لآدم حين خلقه بيده أولا، ثم نفخ فيه من روحه، ثم أمر الملائكة بالسجود له، ثم علمه أسماء الأشياء، فهذه أربعة تشريفات من الله لسيدنا آدم الذي رفض إبليس السجود له؛ لأنه رأى أنه أفضل منه.
وعن طبيعة إبليس، قال الحسن البصري: "لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين قط"، وقال شهر بن حوشب: "إن إبليس كان من الجن الذين أفسدوا في الأرض، والذين أسرتهم الملائكة في السماء فكان معهم حينما أمروا بالسجود"، إلى غير ذلك من التأويلات التي لا يمكن الجزم بأي منها.
هناك خلاف بين العلماء حول مكان الجنة التي أخرج منها آدم، فمنهم من قال بأنها جنة الخلد أو المأوى التي في السماء؛ لأن الله أهبطهما منها، وهو ما قال به جمهور العلماء، ومنهم من قال بأنها جنة على الأرض وليست في السماء؛ لأن الله امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها. قال تعالى: (قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) [الأعراف: 24]. وهذا خطاب لآدم وحواء وإبليس، وقيل أيضا إلى الحية التي دلت حواء على الأكل من الشجرة المحرمة، كما هو موجود بالتوراة.
قال ابن عباس: إن آدم أهبط إلى أرض يقال لها "دحنا" بين مكة والطائف، وقال الحسن إن آدم أهبط بالهند، وإن حواء أهبطت بجدة. وقال ابن عمر إن آدم أهبط بالصفا، وحواء بالمروة، لذلك فالأمر مختلف عليه. أما اليوم الذي هبط فيه سيدنا آدم على الأرض فكان يوم الجمعة، كما قال رسول الله في حديثه: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة".
كان آدم يزوج ذكر كل بطن بأنثى البطن الآخر، وأراد هابيل أن يتزوج بأخت قابيل، فأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقربا قربانا، فقرب هابيل جذعة سمينة، وقرب قابيل حزمة من زرع رديء زرعه، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل. فغضب قابيل وقال لأخيه: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي، فقال له: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِن المُتَّقِيْنَ) [سورة المائدة:27] فضربه قابيل بحديدة فقتله، وقيل إنه رماه بصخرة على رأسه وهو نائم، وقيل أيضا إنه خنقه خنقا شديدا، والله أعلم.
رزق آدم وحواء بعد قتل هابيل بشيث، ومعناه هبة الله، وقيل إن أنساب بني آدم اليوم تنتهي جميعها إلى شيث، بعد انقراض جميع أبناء آدم، وهو من قام بأعباء الأمر في الدنيا بعد وفاة آدم.
لما مات آدم وكان ذلك في يوم الجمعة، أتته الملائكة بحنوط - وهو الطيب الذي يوضع بداخل جثة الميت لمنعها من الفساد - وكفن من الجنة، وقيل إن الشمس والقمر قد انكسفا سبعة أيام بلياليهن. واختلف في مكان دفن آدم، والمشهور أنه دفن عند الجبل الذي أهبط فيه بالهند، وقيل أيضا إنه دفن بجبل أبي قبيس بمكة.