كانت ثمود قبيلة مشهورة، وكانوا عربا من العاربة يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك، وجاءوا بعد قوم عاد، وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك، فبعث الله فيهم رجلا منهم وهو صالح، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد، فآمنت به طائفة منهم، وظل جمهورهم على كفرهم.
قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ. مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [الشعراء: 153 - 154].
وقد ظن أغلب قوم ثمود أن صالحا مسحور، فكيف يتركون عبادة الأصنام التي هي دين الآباء والأجداد، لعبادة الله الواحد؟ وسألوه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق ما جاءهم به، فطلبوا منه أن يخرج لهم ناقة من صخرة أشاروا إليها، وذكروا أوصافا محددة لهذه الناقة، فسألهم صالح أنه إن فعل ذلك كما أرادوا، فهل سيؤمنون حينها بما أرسله الله به، فقالوا: نعم. واستجاب الله لدعاء صالح، وخرجت الناقة من الصخرة، فآمن كثير منهم، ولكن استمر أكثرهم على كفرهم وعنادهم.
وكان صالح قد عاهد قومه على ألا يمسوا الناقة بسوء، وأن يتركوها تشرب من ماء البئر يوما بعد يوم، على ألا يقاسموها الشرب في يومها الذي اختصت بالشرب فيه، وكانت تلك الناقة فتنة لقوم صالح، أي اختبارا لهم من الله؛ لتتبين حقيقة موقفهم؛ أيؤمنون أم يكفرون، فلما طال عليهم الأمد، اجتمع الملأ من قوم ثمود، واتفقوا على قتل الناقة، وتولى قتلها رئيسهم قدار بن سالف بن جندع.
خالف قوم ثمود أمر الله وعصوا رسوله بارتكابهم النهي الأكيد عن عقر الناقة، فكان قدار أول من أسقطها على الأرض، وتشارك الباقون في تقطيعها بالسيوف. قال تعالى: ﴿فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هود: 65].
وقد حذر الله ثمود من عذابه الشديد الذي سيأتي بعد ثلاثة أيام، ولأن وعد الله غير مكذوب، ففي اليوم الأول اصفرت وجوههم، وفي اليوم الثاني احمرت، وفي اليوم الثالث اسودت، حتى أشرقت شمس اليوم الرابع والذي كان يوم الأحد، وصاحب ذلك صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة من أسفل منهم، فأصبحوا في دارهم جاثمين، أي جثثا لا أرواح فيها ولا حراك بها. قال تعالى: (كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ) [هود: 68]؛ أي كأنهم لم يقيموا في الأرض في سعة ورزق وهناء، وذلك جزاء كفرهم بربهم وبرسوله.