بعث نوح لما عبدت الأصنام والطواغيت، وشرع الناس في الضلالة والكفر، فكان أول رسول بعث إلى أهل الأرض، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: 23]. والأسماء التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية هي أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم، حتى عبدت فيما بعد. ولذلك بعث الله عبده ورسوله نوحا، للدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
دعوة نوح لقومه
دعا نوح قومه في الليل والنهار وفي السر والعلانية، وبالترغيب تارة وبالترهيب أخرى، وكل هذا لم ينجح، بل استمر أكثرهم على الضلالة والكفر وعبادة الأصنام، وقد تطاول زمن المجادلة بينه وبينهم كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 14]، ورغم هذه المدة الطويلة فلم يؤمن به إلا القليل منهم.
صنع الفلك
يئس نوح من إصلاح قومه، فدعا عليهم دعوة غضب بعدما كذبوه وآذوه بكل الطرق، فأجاب الله دعوته، قال عز وجل: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ. وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) [الصافات: 75 - 76]. فأمره الله أن يصنع الفلك، وهي السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها، ولا يكون بعدها مثلها، وأن يحمل فيها من كل زوجين اثنين من الحيوانات، وأن يحمل معه أهله إلا من كان كافرا، فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد. وبعد ذلك أرسل الله من السماء مطرا لم تشهده الأرض من قبل، وقيل إن الماء ارتفع حتى وصل لأعلى جبل فيها، وإنه لم يبق على وجه الأرض بعد ذلك أحد من الأحياء.