الفصلُ التاسعُ:  الاحتلالُ ووجهه القبيح

حتَّى بعد أن استكملت إسرائيل من حيث الجوهر تطهير فلسطين عرقيًّا، فإنَّ معاناة الفلسطينيِّين لمْ تنتهِ؛ إذ أمضى نحو ثمانية آلاف شخص (۸۰۰۰) عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وتسعةٍ وأربعين ميلاديًّا (١٩٤٩م) بكامله في المعتقلات، وعانى آخرون جرَّاء الاعتداء عليهم جسديًّا في المدن، وتعرّضت أعداد كبيرة من الفلسطينيِّين للمضايقة بطرق متعدِّدة تحت الحكم العسكريّ الذي فرضته إسرائيل عليهم. واستمرَّ نهب بيوتهم، وصودرت حقولهم، ودُنِّسَت أماكنهم المقدَّسة، وانتهكت إسرائيل حقوقهم الأساسيَّة، كالحقّ في حرِّيَّة الحركة والتعبير، والحقِّ في المساواة أمام القانون.

 

اعتقالٌ لا إنسانيّ واغتصاب الفلسطينيَّات وتدنيس الأماكن المقدّسة:

كان من المناظر المألوفة في الريف الفلسطينيِّ في أعقاب عمليَّة التطهير العِرقيِّ معتقلات ضخمة احتُجز فيها القرويُّون الذكور من سنِّ العاشرة إلى الخمسين، بعد أن جرى فرزهم في عمليَّات التفتيش والاعتقال التي صارت روتينيَّة. ونُقلوا في وقت لاحق إلى معسكرات اعتقال مركزيَّة بعدد تسعةِ آلافِ معتقَل (٩٠٠٠)، أكبرها الموجود في إجليل، وآخر في عتليت جنوبيّ حيفا. وكانت عمليَّات التفتيش والاعتقال تتمُّ بطريقة منهجيَّة، وتشمل أنحاء الريف كافَّة، وتحمل أسماءً رمزيةً عامَّة، مثل «عمليَّة المشط»، أو حتَّى «تقطير» (زِكوك بالعبريّة) بممارسات وحشيَّة للاستجواب وإجبار على العمل القسْريِّ لرفع الاقتصاد الإسرائيليّ . فكان هناك تناقضٌ صارخ بين سلوك الإسرائيليّين تجاه المدنيين الفلسطينيِّين الذين سجنوهم، وبين المعاملة التي تلقّاها الإسرائيليّون الذين أسرهم الفيلق العربيّ التابع للأردن. وقد غضب «بن - غوريون» عندما نشرت الصحافة عن معاملة الفيلق الحسِنة لأسرى الحرب.

وتوجَد أيضًا روايات دقيقة من المنظَّمات الدوليَّة  مثل الصليب الأحمر عن وقوع حالات اغتصاب من جنود الاحتلال لفتيات ونساء فلسطينيَّات، ومن أبشعها ما فعله اثنان وعشرون جنديًّا (22) من فصيلة في النقب مرابطة في كيبوتس نيريم القريب من بيت حانون بفتاة فلسطينيَّة في الثانية عشرة تناوبوا على اغتصابها ثمَّ حلْقِ شعرها وقتلها في النهاية في الثاني عشر من أغسطس عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وتسعةٍ وأربعين ميلاديًّا (١٩٤٩م).

وصادرت دولة الاحتلال جميع الأماكن المقدسَّة الإسلاميَّة والمسيحيَّة بعد عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وثمانيةٍ وأربعين ميلاديًّا (١٩٤٨م) وحوّلتها إلى القيّم ثمَّ الدولة، حتَّى باعتها في النهاية لهيئات يهوديَّة أو لمواطنين من أصحاب الملكيَّات الخاصَّة، فحوّل الإسرائيليّون جامعَي المجدل وقيساريّة إلى مطعمين، وجامع بئر السبع إلى دُكّان، وجامع عين حوض إلى حانَة، وجامع الزيب  إلى جزءٍ من منتجع نقاهة ما زال موجودًا حتَّى الآن، ودنَّسوا الكثير من المساجد ودور العبادة المسيحيَّة.

 


التطهير العرقي في فلسطين
التطهير العرقي في فلسطين
 إيلان پاپه
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00