سكَّانُ فلسطين:
عندما بدأ الصهاينة عمليَّات التطهير العِرقيّ في فلسطين في أوائل كانون الأوَّل/ديسمبر عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وأربعين ميلاديًّا (١٩٤٧م)، كان السكَّان الفلسطينيُّون الأصليُّون يشكّلُون أغلبيَّةً تبلغ نسبتها ثُلثين في المائة بعد أن كانت تسعين بالمائة(٩٠٪) عند بداية الاحتلال البريطانيِّ، بينما الثلث الآخر تألَّف من يهودٍ مستوطنين مهاجرين حديثًا. وعلى الرَّغم من محاولات القادة الصهاينة إقناع اليهود المهاجرين بالاستقرار في الريف الفلسطينيّ، إلّا أنَّهم فضّلوا العيش في المدن والبلدات، حتَّى أصبحت المستعمرات اليهوديَّة في الريف متباعدةً كجزرٍ معزولةٍ وسط الريف الفلسطينيّ الأصيل كما في مناطق الجليل في الشمال والنقب في الجنوب. ومع فشل بريطانيا في حلٍّ للنزاع في فلسطين، أحالت الأمر للأمم المتَّحدة في نهاية شباط/فبراير عام ١٩٤٧م.
خطَّة التقسيم الصادرة عن الأمم المتَّحدة:
كانت الأمم المتَّحدة بعمر العامين فقط عندما أحيلتْ لها مسألة فلسطين، حيث عهدت بمستقبل فلسطين إلى لجنة خاصَّة بفلسطين (أونسكوب/ONSCOP) والتي لمْ يمتلك أعضاؤها الخبرة الكافية لحلَّ النزاعات. فقاموا في البداية بدراسة إمكانيَّة جعل فلسطين بأسرها دولة ديمقراطيَّة واحدة (فيقرِّر تصويتُ أغلبية السكَّان مصيرَ فلسطين)، لكنّهم تخلَّوا عن الفكرة عندما أوصت هذه اللجنة الجمعيَّة العموميَّة للأمم المتَّحدة بإقرار تقسيم فلسطين لدولتين مرتبطتين فدراليًا بوحدة اقتصاديَّة، وإنشاء نظام خاصٍّ بمدينة القدس تكون فيه كيانًا منفصلًا خاضعًا لنظامٍ دوليٍّ بإدارة الأمم المتَّحدة. وأقرّت الجمعية العمومية توصية اللجنة للتقسيم في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوڤمبر عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وأربعين ميلاديًّا (١٩٤٧م)، فصدر القرار مِئةٌ وواحدٌ وثمانون (١٨١) بتعويض اليهود عن الهولوكوست النازيَّة في أوروبا بأكثر من نصف أراضي فلسطين التي ليست من حقَّهم ذاتًا.
وقد قرَّرت جامعة الدول العربيَّة والهيئة العربيَّة العليا (الحكومة الفلسطينيَّة الجنينيَّة) عدم التفاوض مع لجنة الأمم المتَّحدة بشأن فلسطين قبل صدور قرار ١٨١ بالتقسيم، بينما امتلأت القيادة الصهيونيّة بالثقة وبدأت بوضع خطط لمستقبل اليهود في فلسطين. وهذا نموذج تكرّر كثيرًا في تاريخ صنع السلام بفلسطين، خاصَّة بعد انخراط الأمريكيِّين في العمليَّة عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وستِّين ميلاديًّا (١٩٦٧م). وإلى الآن، كان "إحلال السلام في فلسطين" يعني دائمًا اتِّباع تصوُّر وضعته أمريكا وإسرائيل، دون التشاور مع الفلسطينيِّين أو حتَّى أخذهم بعين الاعتبار.
المواقفُ العربيَّةُ والفلسطينيَّة:
يدَّعي التاريخُ الإسرائيليُّ المعاصر أنّ مقاطعة القيادة الفلسطينيَّة لإجراءات الأمم المتَّحدة منذ البداية هو السبب في المصير العنيف الذي لاقاه عرب فلسطين عام ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وأربعين ميلاديًّا (١٩٤٨م)، لكنَّ التاريخَ الفلسطينيَّ صدّ هذا الزعمَ بنجاح بفضح الإجراءات الظالمة وغير الشرعيَّة التي اختارت الأمم المتَّحدة اتِّباعها. فبعد تسعة أشهرٍ من رحيل بريطانيا، وجد الفلسطينيُّون أنفسهم تحت رحمة منظمة الأمم المتَّحدة التي كانت مستعدَّةً لتجاهل كلِّ قواعد الوساطة الدوليَّة رغبةً في تقسيم الدولة لصالح مستوطنين جاؤوا حديثًا، فطالب بعض قادة فلسطين بعرض الأمر على محكمة العدل الدوليَّة [التي تأسَّست عام ألفٍ وتِسعِمِئة وستَّةٍ وأربعين ميلاديًّا (١٩٤٦م)]، ولكنْ لمْ يحدث هذا قطّ.
وقد كان قرار التقسيم مجحِفًا جدًّا في حقِّ الفلسطينيِّين؛ حيث أدخل أكثر الأراضي خصوبةً بالإضافة إلى جميع المساحات الحضريَّة والريفيَّة وكذلك أربعمِئةَ قرية فلسطينيَّة (٤٠٠) [من مجموع ألفِ قرية (١٠٠٠)] ضمن الحدود اليهوديَّة المقترحة. فكانت خريطة التقسيم المقترحة تتضمَّن ثلاثةَ أجزاء: اثنان وأربعون في المِئة (٤٢٪) من أرض فلسطين دولةٌ فلسطينيَّة عربيَّة تضمُّ عشرة آلافِ يهوديٍّ (١٠٠٠٠)، وستٌ وخمسون في المِئة (٥٦٪) من الأرض دولةٌ يهوديَّة تضمُّ أربعَمِئةً وتسعةً وتسعين ألفَ يهوديٍّ (٤٩٩٠٠٠) مع أربعِمِئةٍ وثمانيةٍ وثلاثين ألفَ فلسطينيٍّ (٤٣٨٠٠٠)، والجزء الثالث يتمثّل في مدينة القدس الخاضعة للحكم الدوليِّ نصف سكَّانها مِئتا ألفِ فلسطينيٍّ (٢٠٠٠٠٠)، والنصف الآخر من اليهود. وهنا أنشأ "بن - غوريون" الهيئة الاستشاريَّة لأنّه أدرك أنَّ مسائل الاستعمار لا يمكن الإفصاح عنها علنًا، وفي أكتوبر ونوڤمبر عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وأربعين ميلاديًّا (١٩٤٧م)، أصبحتْ الهيئة الاستشاريَّة أهمَّ مجموعة مرجعيَّة لديه يناقش بها اللجوء للقوَّة لضمان أغلبيَّة يهوديَّة وإقصاء الفلسطينيِّين.
