على الرَّغم من المفاوضات التي كان "الكونت فولك برنادوت" وسيط الأمم المتَّحدة يجريها للوصول لهدنة، فقد استمرَّ التطهير العِرقيّ دون أيّ عائق وبشكل أعنف. فنشط هجوم الجيوش العربيَّة في يونيو، حيث هاجم سلاح الجوّ المصريّ تل أبيب أربع أو خمس مرَّات وأصاب منزل "بن - غوريون" مباشرةً في الرابع من يونيو، ولكنَّ سلاح الجوّ الإسرائيليّ ردَّ بقوَّة بقصف العواصم العربيَّة وأوقع إصاباتٍ كبيرة، وأدَّى هذا بدوره إلى تباطؤ المجهود العربيّ لإنقاذ فلسطين، خاصَّة مع إصرار الفيلقُ العربيُّ على أنَّ القدس الشرقيَّة يجب أن تكون جزءًا من الأردن. ولكنَّ ثباتَ المتطوِّعين المصريِّين ساهم في إطالة أمد القتال، خاصَّة الإخوانَ المسلمين.
الهدنة الأوَّلى:
بدأ تطبيق الهدنة عمليًّا في الحادي عشر من يونيو(11)، رَغم إعلانها رسميًّا في الثامن من يونيو (8) لمدّة أربعة أسابيع، ولكنَّ الجيش الإسرائيليّ استغلها للقيام بعمليّات تدمير هائلة لعدد من القرى وطرد سكَّانها، ومنها المزار في الجنوب، وفجة بالقرب من بيتح تِكْفا، وبيار عدس ومسكة وهوشة والسميريّة والمنشيّة بالقرب من عكَّا. وانطلقت عمليّة "يتسحاق" في ١ يونيو لاحتلال جنين وطولكرم وقلقيلية والاستيلاء على جسور نهر الأردن. ومع غياب القوَّات العربيَّة النظاميَّة، كان الجليل الأعلى مفتوحًا للهجوم الإسرائيليّ حتَّى سقطت بعض مناطقه مثل مرج ابن عامر والساحل والسهول الداخليَّة والنقب الشماليّ، وبقيت بعض قراه قائمة حتَّى اليوم بسبب بسالة أهلها.
ما بين الهدنتين:
واعتبارًا من التاسع من يوليو (9)، أي في اليوم التالي لانتهاء الهدنة الأولى، نشب قتال متفرّق بين الجيش الإسرائيليّ والوحدات العسكريَّة العربيَّة التابعة للأردن والعراق وسوريا ولبنان، واستمرَّ عشرة أيَّام. وخلال أقلَّ من أسبوعين على بدئه، كان مئات الآلاف من الفلسطينيِّين قد طُردوا من قراهم وبلداتهم ومدنهم. وهكذا، فإنّ ما نتج من خطَّة الأمم المتَّحدة لـ«السلام» كان في الواقع إرعابًا للناس بحرب نفسيَّة، وبقصفٍ عنيف على السكَّان المدنيين وطردٍ لهم، ورؤية أقرباء يُعدَمون، وزوجاتٍ وبناتٍ يتعرضن للمعاملة السيِّئة والسرقة، وللاغتصاب في عدَّة حالات، وبحلول يوليو، كانت بيوتهم قد صارت في معظمها ركامًا بعد أن نسفها خبراء التفجير الإسرائيليّون.