الفصلُ الثاني عشرَ: إسرائيلُ القلعة
في سواد ليلة الرابع والعشرين من يناير (24) عامَ ألفين وستَّةٍ ميلاديًّا (٢٠٠٦م)، احتلَّت وحدة نخبة في الحرس الإسرائيليّ قرية جلجولية الفلسطينيَّة، وفصلوا نساء حوامل وأطفال عن رجالهم دون رحمةٍ؛ فقط ليبرهنوا للجمهور الإسرائيليّ أنّه عندما توشك الأقليَّة الفلسطينيَّة على التحوّل من "مشكلة ديموغرافيَّة" إلى "خطر ديموغرافيّ"، فإنَّ الدولة اليهوديَّة ستتحرَّك بسرعة وبلا رحمةٍ.
وعلى الرَّغم من المثابرة الصهيونيّة، نجتْ جماعة كبيرة من الفلسطينيِّين من التطهير العرقيّ، لكنَّهم اليوم أصبحوا طلَّابًا جامعيِّين يُجبَرون على دراسة تفاقم مشكلة "الميزان الديموغرافيّ" في إسرائيل ويُقال لهم إنَّ لإسرائيل الحقَّ في ضبط النموِّ الطبيعيّ الفلسطينيّ، حتَّى أصبح الفلسطينيُّون يدركون أنّه يُنظَر إليهم كمشكلة، ويسمعون أنَّ المجتمع اليهوديَّ يتوق للتخلُّص منهم يوميًّا، ويشعرون بخطرٍ يداهم حياتهم وعائلاتِهم طوال الوقت بسبب الادِّعاء الذي تُشِيْعُه إسرائيل في العالم الخارجيّ بأنَّها ديمقراطيَّة ليبراليَّة.
وندرك جميعًا أنَّ السلام في متناول اليد، من أغلبية الفلسطينيِّين الذين رفضوا أن يفقدوا هذا السلام رَغم عقود من وحشيَّة الاحتلال الصهيونيّ والطرد والاضطهاد، لكنَّ نافذةَ الفرص لن تبقى مفتوحةً للأبد. وقد يكون كُتِب على إسرائيل أن تبقى بلدًا مملوءًا بالغضب تحكمها العنصريَّة والتعصُّب الدينيّ، ولكنْ.. إلى متى نستطيع أن نستمرَّ في الطلب من إخواننا الفلسطينيِّين، فضلًا عن أن نتوقّع منهم أن يظلُّوا متمسِّكين معنا بالأمل، وألَّا يستسلموا كُلِّيًّا لليأس الذي استولى عليهم يوم أقام الاحتلال قلعته فوق قراهم ومدنهم المُدمرة؟
وفي الختامِ
فلا الفلسطينيُّون سينجُون من اليهود، ولا اليهود سينجُون من الفلسطينيِّين، ولا أيُّ طرفٍ من الطرفين سينجو من نفسه إذا لم يتمّ تعريف الأيديولوچيا التي ما تزال تحرِّك السياسة الإسرائيليّة تجاه الفلسطينيِّين بصورة صحيحة. المشكلة مع إسرائيل لم تكن قطُّ يهوديّتها؛ إنَّما المشكلة هي مع شخصيَّتها الصهيونيّة الاثنية، فالصهيونيّة لا تتوفَّر فيها هوامش التعدُّديَّة نفسها الموجودة في اليهوديَّة، وعلى الأخصِّ فيما يتعلّق بالفلسطينيِّين، فهم لا يمكن أبدًا أن يكونوا جزءًا من الدولة والقضاء الصهيونيَّين، وسيستمرُّون في النضال. ويأمل المرء بأن يكون نضالهم سلميًّا ناجحًا، وإذا لم يكن كذلك، فسيكون بائسًا وتوَّاقًا إلى الانتقام، وكالزوبعة سيُمتَصّ الجميع في ثنايا عاصفةٍ رمليَّةٍ جبَّارة مستمرَّة لن تهّب في العالمَين العربيّ والإسلاميّ فحسب، وإنَّما أيضًا في بريطانيا والولايات المتَّحدة؛ القوَّتين العظمَيَينِ اللتَينِ تُغَذِّيانِ العاصفةَ التي ستدمِّرنا جميعًا.