إعادةُ ابتكارِ فلسطين:
رافقت عمليَّات الطرد إعادة تسمية الأماكن التي احتُلت ودُمّرَت وأعيد تكوينها الآن، وذلك بمساعدة خبراء في علم الآثار والعلوم التوراتيَّة في لجنة التسميَّات الرسميَّة التي كانت مهمَّتها "عَبرنة جغرافيا فلسطين".
الاستعمارُ الافتراضيُّ والصندوقُ القوميُّ اليهوديّ :
شرع الصندوق القوميّ اليهوديّ في إضفاء مظهرٍ أوروبِّيٍ على فلسطين عن طريق غرس أشجار الصنوبر والسرو بدلًا من النباتات الطبيعيَّة الملائمة لمناخ فلسطين. فزرعوا أشجار الصنوبر فوق البيوت المهدَّمة وفي حقول الكروم والزيتون أيضًا، حتَّى أصبح للصندوق سمعة في الحرص على البيئة بين الإسرائيليِّين، ولكن بعبارةٍ أوضح؛ كانت مهمَّته الحقيقيَّة هي إخفاء بقايا فلسطين المرئيَّة.
أُخضِع الفلسطينيُّون الذين أخفقت إسرائيل في طردهم من البلد لنظام الحكم العسكريّ في الذي نُفّذ في أكتوبر عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وثمانيةٍ وأربعين ميلاديًّا (١٩٤٨م)، وأصبح الموجودون منهم في الضفَّة الغربيَّة وقطاع غزَّة تحت احتلال عربيٍّ أجنبيّ، وتفرّق الباقون في أرجاء الدول العربيَّة المجاورة حيث وجدوا مأوًى لهم في مخيَّمات وخيامٍ زوّدتْهم بها منظَّمات الإغاثة الدوليَّة .
المحاولات الأوَّلى للتوصّل إلى سلام:
عقدت الأمم المتَّحدة أوَّل مؤتمر للسلام بعد النكبة في لوزان بسويسرا في ربيع عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وتسعةٍ وأربعين ميلاديًّا (١٩٤٩م)؛ لمناقشة القرار مئةٍ وأربعةٍ وتسعين (١٩٤) بشأن اللاجئين الفلسطينيِّين، وقد قبِل الجميع هذه المقاربة الشاملة بمَن فيهم أمريكا والعالم العربيّ وفلسطين ووزير خارجيَّة إسرائيل "موشيه شاريت"، ولكنَّ رئيسَ حكومة إسرائيل "دافيد بن - غوريون" وملك الأردن "عبد الله" وقفا ضدّ القرار بإصرار على اقتسام ما بقي من فلسطين.
نحوَ سلامٍ أميركيّ:
وأتت مبادرة أخرى للسلام من جانب وفود بريطانيا وفرنسا والاتِّحاد السوفياتيّ بعد حرب يونيو عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وستِّين ميلاديًّا (١٩٦٧م) والتي انتهت بسيطرة إسرائيل على فلسطين الانتدابيَّة كلِّها، ولكنْ سرعان ما تسلَّم الأمريكيُّون الزمام في محاولةٍ لإبعاد الروس عن جميع جداول الأعمال الخاصَّة بالشرق الأوسط.
استبعادُ عربِ الثمانيةِ والأربعينَ عن العمليَّة السلميَّة:
وجدت إسرائيل أنّ عقد اتِّفاقيَّة تقرِّر مكانة الضفَّة الغربيَّة وقطاع غزَّة المستقبليَّة هي الحلّ للصراع الإسرائيليّ - الفلسطينيّ الذي يرجع أصله لعام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وستِّين ميلاديًّا (١٩٦٧م) بوضع ثلاثة خطوط موجَّهة لوضع الفلسطينيِّين خارج الصورة، فاحتاجتْ إسرائيل للعثور على شريك وجدتْه في ملك الأردن "حسين" الذي كان مرتبِكًا وغير قادرٍ على التفاوض بالنيابة عن الفلسطينيِّين في الأعوام التالية؛ لذلك لمْ يدم الخيار الأردنيّ حتَّى سنة ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعٍ وثمانين ميلاديّةً (١٩٨٧م) مع اندلاع الانتفاضة الشعبيَّة الفلسطينيَّة الأولى في ديسمبر. حتَّى اقترح الرئيس المصريُّ "أنور السادات" خيارًا مشابهًا في مبادرته للسلام، وكانت الفكرة هي القبول باستمرار سيطرة إسرائيل على المناطق الفلسطينيَّة المحتلَّة بنسبة ثمانين في المِئة (٨٠٪) من فلسطين كملكيَّة مباشرة، وعشرين في المِئة (٢٠٪) المتبقِّية سيطرةً غير مباشرة عليها. ولكنَّ الانتفاضةَ الفلسطينيَّة سنة ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعٍ وثمانين ميلاديّةً (١٩٨٧م) سحقت جميع هذه الخيارات حتَّى اضطرَّ معسكر السلام الإسرائيليّ إلى قبول الفلسطينيِّين كشركاء في أيَّة تسوية مستقبليَّة.
حقُّ العودة:
دعا الرئيس الأمريكيُّ "كلينتون" رئيسَ الحكومة الإسرائيليّة "براك" والرئيسَ الفلسطينيَّ "عرفات" لاجتماع في كامب ديفيد صيف عام ألفين ميلاديًّا (٢٠٠٠م)، وتوقَّع الفلسطينيُّون منه مفاوضاتٍ حقيقيةً لإنهاء الصراع بموجَب اتِّفاقيَّة أوسلو لعام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وثلاثةٍ وتسعين ميلاديًّا (١٩٩٣م) التي تعِد القيادة الفلسطينيَّة بفترة انتظار من خمسة إلى عشرة أعوام تنسحب فيها إسرائيل جزئيًّا من المناطق المحتلَّة، واعتقد الفلسطينيُّون حينها أنَّ المرحلة النهائيَّة أتت وأنَّه قد حان الوقت لتنفيذ حقِّ العودة إلى وطنهم كاملًا، ولكنَّهم كانوا قد أخطأوا في قراءة مشروع السلام الأمريكيّ منذ البداية.
وقد أشعل هذا الإذلال بالإضافة إلى الزيارة الاستفزازيَّة لـ "أريئيل شارون" للحرم الشريف في سبتمبر عام ألفين ميلاديًّا (٢٠٠٠م) شرارة الانتفاضة الشعبيَّة الثانية، لكنَّ إسرائيلَ واجهتها بعنف فتَّاكٍ تسبّب في تصاعد الأمر إلى حرب مُصغَّرة غير متكافئة، وما تزال مستمرَّةً حتَّى الآن؛ حيث يقف العالم متفرِّجًا بينما تهاجم القوَّة العسكريَّة العظمى في المنطقة مدنيِّين عُزْلًا وغير قادرين على الدفاع عن أنفسهم ولاجئين مُعدَمين، بينهم مجموعات ميليشيويَّة صغيرة تحاول «المقاومة» بشجاعةٍ، ولكن دون تكافؤ.