الفصل الثامن: أهمية قولِ لا

يجري تلْقِين كثيرين منا اعتقادا مفاده أن علينا محاولة أن نكون إيجابيين متقبلين لكل شيء، وإلى أقصى حد ممكن. هذا هو حجر الزاوية لكثير من تلك الكتب التي يطلقون عليها اسم "كتب التفكير الإيجابي"، والتي يقولون فيها:

 انفتح على الفرص، واقبل، وقل نعم، لكل شيء ولكل شخص، وغيرها.

لكن علينا أن نرفض شيئا ما، وإلا فإننا نغدو من غير معنى.

إن قيامَك باختيار قيمة ما لنفسكَ يتطلب أن ترفض قيما أخرى. الرفض مهارة هامة من مهارات الحياة، فلا أحد يرغب في أن يظل عالقا في علاقة لا تجعله سعيدا، وما من أحد يرغب في أن يظل عالقا في عمل يكرهه أو لا يؤمن به، ولا أحد يريد الشعور بأنه غير قادر على قول ما يفكر فيه حقا.

إلا أن الناس يختارون هذه الأشياء.

في واقع الأمر، إنهم يختارون هذه الأشياء طوال الوقت!

يحدث ذلك بسبب الرغبة في تجنب المواجهة والنزاع، والرغبة في محاولة قبول كل شيء لأن الرفض قد يجعل بعض الناس يشعرون بالسوء، أو قد يجعل أشخاصا آخرين من حولهم يشعرون بالسوء.

علينا أن نقبل قول كلمة "لا"، وأن نقبل سماعها، فبهذه الطريقة يجعل الرفض علاقاتنا أفضل ويجعل حياتنا الانفعالية صحية أكثر.

 

الحدود

حيثما توجد علاقة سامّة وغير صحية، يوجد إحساس هش ضعيف بالمسؤولية من جانب الطرفين، ويوجد أيضا انعدام للقدرة على الرفض وعلى قبول الرفض.

وحيث توجد علاقة صحية فيها حب حقيقي، فإن هنالك حدودا واضحة بين الشخصين وقيمهما، وهنالك أيضا مساحة مفتوحة للرفض ولقبول الرفض حيثما يكون الرفض ضروريا.

وأعني بكلمة "حدود" رسم خط يفصل بين مسؤوليات الشخصين عن مشكلاتهما. فالأشخاص الذين يعيشون علاقة صحية فيها حدود واضحة قوية يتحملون المسؤولية عن قيمهم ومشكلاتهم ولا يَعْتبِرون أنفسهم مسؤولين عن قيم شركائهم أو عن مشكلاتهم.

وأما من يعيشون علاقة سامّة يضعف فيها وجود تلك الحدود أو ينعدم، فهم يعمدون دائما إلى تجنب المسؤولية عن مشكلاتهم ويَعْتبِرون أنفسهم مسؤولين عن مشكلات شركائهم.

كيف يبدو شكل هذه الحدود السيئة أو الضعيفة؟ إليكم بعض الأمثلة:

-لا يمكنك الخروج مع أصدقاءك من غيري فأنت تعرف أنني أغار كثيرًا. ابقَ معي في البيت.

-زملائي في العمل حمقى. يجعلونني أتأخر عن الاجتماعات دائمًا لأنّ عليّ أن أشرح لهم كيف يقومون بأعمالهم.

-أود أن أنتقل إلى وظيفة جديدة في ولاية أخرى، لكن أمي لن تسامحني أبدًا إذا سافرت بعيدًا عنها.

نرى في كل سيناريو من هذه السيناريوهات أن المتكلم يَعْتبِر نفسه مسؤولا عن مشكلات غيره، أو عن مشاعر غيره، أو أنه يُطالب الآخر بأن يتحمل المسؤولية عن مشكلاته هو أو مشاعره هو.

لا يستطيع الناس حل مشكلاتك. وليس عليهم أن يحاولوا حلها، لأن ذلك لن يجعلك سعيدا.

وأنت غير قادر أيضا على حل مشكلات الناس لأن ذلك لن يجعلهم سعداء.

العلامة المميزة للعلاقة غير الصحية هي رؤية شخصين يحاول كل منهما حل مشكلات الآخر حتى يكون مسرورا من نفسه. وأما العلاقة الصحية فهي أن يحاول كل طرف حل مشكلاته بنفسه حتى يكون شعور كل منهما طيبًا تجاه الآخر.


فن اللامبالاة
فن اللامبالاة
مارك مانسون
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00