الحياة هي الحياة، فحسب، ونحن نقبلها بحلوها ومرها.
يدرك الواحد منا أنه لن يتوصل إلى اكتشاف علاج لمرض السرطان، وأنه لن يسافر إلى القمر، وهذا أمر حسن.
الحياة تسير، ونحن نصير أكثر ميلا إلى القبول بقدرتنا المتناقصة على الاهتمام بالأشياء وإلى توفيرها، من أجل تلك الجوانب في حياتنا التي تستحق اهتمامنا فعلا كعائلاتنا، وأصدقاؤنا المقربون، وشركاؤنا في نشاطاتنا المحببة. والمدهش هنا أن هذا كاف تماما!
إن هذا التبسيط للأمور يجعلنا سعداء حقا، سعداء على نحو مستمر.
هذه النشاطات شاقة، ضاغطة، بل غير سارة في أحيان كثيرة، لكنها من أكثر اللحظات معنى ومن أكثر الأشياء بهجة في حياتنا كلها.
إن فيها ألما وكفاحا، بل حتى غضبا ويأسا، لكننا ننجزها آخر الأمر، ثم ننظر إلى الخلف ونحكي لأحفادنا عنها بعيون دامعة.
يقول فرويد: "عندما تستعيد ذكرياتك في يوم من الأيام، يفاجئك أن سنوات المشقة كانت هي سنواتك الأجمل".
لديهم في تكساس مثل يقول: "أصغر الكلاب أشدها نباحا".
لا يجد رجل واثق من نفسه حاجة إلى البرهنة أنه واثق من نفسه. ولا تجد امرأة ثرية حاجة إلى إقناع أي كان بأنها ثرية.
إما أن تكون شيئا، أو لا تكونه.
وإذا كنت تحلم بشيء ما، طيلة الوقت، فأنت تعزز الواقع نفسه مرة بعد مرة:
وهو أنك لست كذلك.
لدينا كثرة زائدة إلى حد يجعلنا غير عارفين بالشيء الذي يجب أن نمنحه اهتمامنا، وبما أن هنالك الآن كمية لا نهاية لها من الأشياء التي نستطيع رؤيتها أو معرفتها، فإن هنالك أيضا عددا لا نهاية له من الطرق التي تسمح لنا باكتشاف أننا لسنا أهلا لذلك، وأننا لسنا جيدين كما يجب، وأن الأشياء ليست عظيمة رائعة كما يمكن أن تكون. وهذا كله يمزقنا من الداخل.
هكذا يجري الأمر.
سوف تموت في يوم من الأيام.
أعرف أن هذا أمر واضح، لكني أردت تذكيرك فقط إن كنت ناسيا.
أنت وكل من تعرفه، سوف تموت بعد وقت ليس ببعيد.
وخلال الوقت القصير الباقي لك بين هناك وهناك، ليس لديك إلا مقدارا محدودا من الاهتمام الذي تستطيع بذله.
إنه مقدار محدود جدا في واقع الأمر. فإذا مضيت هنا وهناك مهتما زيادة عن اللزوم بكل شيء وبكل شخص من غير تفكير ومن غير انتقاء...
فماذا أقول لك؟ حسن، هذا يعني أنك ستخسر من كل الجهات.
يتصورون حالة هدوء من شأنها إخماد كل العواصف. يتخيلون هذا ويطمحون إلى أن يكونوا أشخاصا لا يهزهم شيء، أشخاصا لا يتنازلون أمام أحد.
هنالك اسم للشخص الذي لا يجد في أي شيء أي مشاعر أو أي معنى: إنه الإنسان المضطرب عقليا. فلماذا تريد أن تكون إنسانا مضطربا عقليا؟
ليست لدي إجابة على هذا السؤال!
ثم إن الناس غير المكترثين أشخاص ضعفاء يخافون رأي الغير بهم.
لا يصلح هؤلاء لشيء أكثر من أكل رقائق البطاطس المقلية وتصفح الإنترنت.
والواقع أن غير المكترثين غالبا ما يحاولون أن يكونوا كذلك لأنهم، في حقيقة الأمر، يهتمون اهتماما زائدا أكثر مما يجب بكثير.
هم يهتمون بما يقوله كل إنسان عن شعرهم ولكن عدم اكتراثهم يجعلهم غير مكترثين بغسله أو بتسريحه.
وهم يهتمون كثيرا برأي كل شخص في أفكارهم، وهكذا فهم يختفون خلف ستار
من السخرية والتهكم والتعليقات الجارحة الممتلئة ثقة فارغة بالنفس.
يخاف هؤلاء من السماح لأي شخص بالاقتراب منهم، فكأنهم يتخيلون أنفسهم أشبه ببلورات ثلجية خاصة فريدة من نوعها لها مشاكلها المتميزة التي لا يستطيع أحد فهمها.
وهذا ما يجعلهم محجمين عن أية خيارات ذات معنى. إنهم يختبئون في حفرة رمادية عديمة الإحساس صنعوها لأنفسهم بأنفسهم.
وهم غارقون في أنفسهم وغارقون في الإشفاق على أنفسهم،
فنراهم يلهون أنفسهم دائما عن هذا الشيء البائس الذي يتطلب منهم وقتا وطاقة:
هذا الشيء الذي اسمه الحياة.
لا وجود لشيء اسمه عدم الاهتمام بشيء أبدا. عليك أن تهتم بشيء ما. هذا جزء من تركيبنا العضوي يجعلنا نكترث بشيء ما،
وبالتالي يجعلنا مهتمين دائما.
إذن، السؤال الحقيقي هو: ما الذي نهتم به؟ وما الذي نكترث به؟
وما الذي نختار الاهتمام به؟ وكيف يمكننا أن نكف عن الاهتمام بما لا أهمية له في آخر المطاف؟
إذا وجدت نفسك، على نحو متكرر كثيرا، تمنح اهتماما أكثر مما يجب لأشياء ثانوية تسبب لك الانزعاج كـ (صورة صديقتك الجديدة على فيسبوك؛ وكم تضعف البطاريات الصغيرة سريعا في جهاز تحكم التلفزيون؛ وتضييع فرصة جديدة لشراء عبوتين من معقم الأيدي بثمن عبوة واحدة)،
فإن من المحتمل كثيرا أنك تعيش حياة فقيرة ليس فيها ما يستحق اهتماما حقيقيا. هذه هي مشكلتك الحقيقية.
إن مشكلتك الحقيقية ليست في الصورة، ولا في معقم الأيدي، ولا في بطاريات جهاز التحكم عن بعد.
سمعت أحد الفنانين يقول ذات مرة إنه إذا لم يكن لدى الشخص مشكلات، فإن عقله يبحث تلقائيا عن طريقة لاختراعها.
ينتج عن هذا أن عثورك على شيء هام له معنى حقيقي في حياتك، قد يكون أفضل طريقة لاستخدام وقتك وطاقتك.
وهذا لأنك إذا لم تجد ذلك الشيء الذي له معنى حقا،
فإن اهتمامك سوف يتجه إلى أشياء لا معنى لها وإلى قضايا تافهة.
أعرف أن هذا يبدو كسلا من الناحية الذهنية، لكنه يبدو هكذا في الظاهر فحسب. وأنا أؤكد لكم أن هذه مسألة حياة أو موت.
وذلك لأننا عندما نرى أن ليس من المقبول أبدا أن تسوء بعض الأمور أحيانا، فإنا نبدأ، على نحو غير واعٍ، بإلقاء اللوم على أنفسنا.
نبدأ الإحساس بأن فينا شيئا مغلوطا على نحو عميق.
وهذا ما يدفع بنا إلى مختلف أنواع المبالغة في التعويض عن ذلك الخلل الذي نتصوره.
تعويض من قبيل شراء أربعين زوجا من الأحذية، أو المبالغة في التهام الفيتامينات،
أو إطلاق النار على باص مدرسة بكل ما فيه من أطفال.
وأن الحياة مكونة (بصرف النظر عما يمكن أن نفعله) من فشل ومن خسارة ومن ندم، ومن موت أيضا.
عندما تكف عن الانزعاج من مختلف أنواع المساوئ التي ترميك الحياة بها (سوف ترميك بها دائما، صدقني)
فإنك تصير شخصا منيعا تجاهها من غير أن تبذل في ذلك جهدا كبيرا.
ففي نهاية المطاف، تظل الطريقة الوحيدة للتغلب على الألم هي أن تتعلم أولا كيف تتحمل ذلك الألم.