الفصل الثالث: لستَ شخصًا مميزًا

في وقت ما خلال سنوات الستينات، ظهرت فكرة التقدير العالي للذات، وهو توجهٌ واسع الانتشار في علم النفس، وهو أن يكون لدى المرء أفكار ومشاعر إيجابية تجاه نفسه. وفي عَقْدِ السبعينات، بدأت ممارسات تقدير الذات تصير موضوعا يتعلمه الأهل ويشدد عليه المعالجون النفسيون والسياسيون والمدرسون، بل صار جزءا من السياسة التعليمية أيضا.

ولكن في الحقيقة، نحن لسنا استثنائيين كلنا.

المشكلة الحقيقية في الإحساس الزائد بالاستحقاق، هي أنه يجعل الناس في حاجة إلى أن يكون لديهم شعور طيب تجاه أنفسهم طيلة الوقت، حتى إن كان ذلك على حساب الأشخاص الذين من حولهم.

وحينما يزيد هذا الشعور، يتحول إلى نرجسيةٍ مُدمِّرَةٍ للآخرين.

يرى الأشخاص الذين لديهم هذا الإحساس بالاستحقاق في كل حدث من أحداث حياتهم تأكيدا على عظمتهم. فإذا حدث لهم شيء جيد، فإنه ناتج عن إنجاز مدهش حققوه. وإذا حدث لهم شيء سيء، فلأن شخصا ما يغار منهم ويحاول الانتقاص من شأنهم.

ليس القياس الحقيقي لتقدير الذات هو معرفة كيف ينظر المرء إلى تجاربه الإيجابية، بل كيف ينظر إلى تجاربه السلبية.

إن الشخص الذي يرى حقا أن له قيمة كبيرة، هو شخص قادر على النظر إلى الأجزاء السلبية من شخصيته نظرة إيجابية، كأن يقول: "نعم، أكون أحيانا شخصًا غير مسئولٍ فيما يتعلق بإنفاق المال"، أو "نعم، أنا أعتمد على عون الآخرين أكثر ". فهذا الشخص يتصرف بطريقة تساعده في تحسين نفسه وتطويرها.

أما الأشخاص الذين لديهم الإحساس العالي بالاستحقاق، لأنهم غير قادرين على الاعتراف بمشاكلهم على نحو صادق وصريح، فإنهم غير قادرين على تطوير أنفسهم على أي نحو، فهم يجرون دائما من مخرجٍ سريع سهل إلى مخرج سريع سهل آخر. ولكن الواقع لا بد أن ينتقم لنفسه في آخر المطاف؛ ولن تلبث المشاكل الكامنة أن تعبر عن نفسها بكل وضوح. السؤال الوحيد هو توقيت حدوث ذلك، وكم يكون مؤلما عندما يحدث.

 

لحظة الانهيار

إذا كانت لدينا مشكلات غير قابلة للحل، فإن لا وعينا يصور لنا أننا إما أن نكون أشخاصا مميزين حتى تصيبنا هذه المشاكل، أو أننا أشخاص مصابين بعطب ما، وهو ما يجعلنا بدوره نفكر في أننا لا نُشبه أحدا غيرنا أيضًا.

لكن الأمر بسيط: إننا نصير أشخاصا لديهم ذلك الشعور الزائد بالاستحقاق، ويظهر هذا الشعور بالاستحقاق في واحد من الشكلين التاليين:

 أنا شخص رائع، وأنتم عاجزون ولا قيمة لكم جميعا.

وهكذا، فأنا أستحق معاملة خاصة.

أو

 أنا عاجز ولا قيمة لي، وأنتم جميعا رائعون.

والنتيجة: أنا أستحق معاملة خاصة.

فإما أن يكون ذلك الفرد على قمة العالم، أو أن يكون العالم كله فوقه.

لكن، إذا لم أكن خاصا أو استثنائيا، فما الغاية؟

لقد صار جزءا مقبولا من ثقافتنا اليوم أن نؤمن بأن من المقدر لنا جميعا أن نفعل شيئا استثنائيا حقا.

هذا ما يقوله المشاهير، وهذا ما يقوله كبار أقطاب الأعمال، وهذا ما يقوله السياسيون، بل إن أوبرا وينفري تقوله أيضا، وهو ما يعني أن هذا صحيح بالتأكيد!

ولكن إذا كان كل شخص استثنائي كما يُخبرنا كل هؤلاء الناس، فلا أحد استثنائيا أبدًا، فحينها سنصير جميعًا متساويين. أليس كذلك؟

 


فن اللامبالاة
فن اللامبالاة
مارك مانسون
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00