إذا نظرت إلى طفل صغير يحاول تعلم المشي فسوف ترى أنه يقع ويتألم مئات المرات، لكن ذلك الطفل لا يتوقف في أية لَحْظة من اللحظات ويقول في نفسه: " أظن أن المشي لا يصلح لي. أنا لست ماهرا في المشي".
إننا نتعلم تجنب الفشل في وقت لاحق من حياتنا، وفي لحظة ما، نصل إلى حالة نخشى عندها الفشل فتدفعنا غريزتنا إلى تفاديه، والاقتصار على ما يوضع أمامنا مباشرة أو على ما نعرف أننا جيدون في فعله أصلا. وهذا بالضبط ما يقيدنا ويخنقنا.
لا يمكننا أن نكون ناجحين حقا إلا في الأشياء التي نحن مستعدون للفشل فيها. وإذا كنا غير مستعدين للفشل، فإننا غير مستعدين للنجاح أصلًا.
يأتي قسم كبير من خشية الفشل هذه من أننا اخترنا قيما سيئة. على سبيل المثال، إذا كنت أقيس نفسي وفق المعيار التالي: "أن أجعل كل من أقابله يشبهني"، فسوف أظل قلقا لأن الفشل يتحدد بنسبةِ مائة بالمائة من خلال أفعال الأشخاص الآخرين وليس من خلال أفعالي أنا، لأنني لا أستطيع التحكم بهم ولا بأفعالهم؛ وبالتالي تكون قيمتي الذاتية تحت رحمة أحكام الآخرين وقراراتهم.
أما إذا اخترت مقياسا آخر كـتطوير حياتي الاجتماعية وتحسينها، فإنني قادر على التصرف وِفقا لقيمة العلاقات الجيدة مع الآخرين، بصرف النظر عن كيفية استجابة الآخرين لي. وتكون قيمتي الذاتية مؤسسة على سلوكي أنا، وسعادتي أنا.
غالبا ما يجعلنا ألمنا أكثر قوة، وأكثر مرونة، وأكثر رسوخا. ألم ترى أنّ الكثير من الناجين من مرض السرطان، صاروا يرون أنفسهم أكثر قوة، وأكثر اعترافا بالفضل بعد الانتصار في تلك المعركة مع المرض؟
إنّ الألم لا بد منه من أجل النمو النفسي والانفعالي، وليس إنكار ضرورة ذلك الألم إلا إنكارا لقدراتنا نفسها.
هذا يشبه تماما وجوب معاناتنا مع الألم الجسدي حتى تصير عضلاتنا وعظامنا أكثر قوة، فلا بد للمرء من معاناة الألم الانفعالي حتى تتطور لديه مرونة انفعالية أكبر وإحساس أقوى بالذات وتعاطف أكبر مع الآخرين.
ومن هذا المنظور، فإن القسم الأكبر من التغيرات الجذرية يحدث لدينا في نهاية أسوأ لحظات حياتنا. وفقط عندما نشعر بالألم الشديد نصير مستعدين للنظر إلى قيمنا والتساؤل عن السبب الذي يجعلها تبدو كأنها تخذلنا. إننا في حاجة إلى نوع من الأزمات الوجودية حتى ننظر نظرة موضوعية إلى مغزى حياتنا؛ وفي تلك اللحظة نبدأ التفكير في تغيير مسارنا.
يمكنك أن تدعو ذلك "عيشُ أزمة وجودية" أو "بلوغ القاع".
هنالك أشخاص كثيرون يتخلون عن كل شيء ويحاولون تخدير ما قد يكون لديهم من أحاسيس عندما يشعرون بشكل من أشكال الألم أو الغضب أو الحزن، ويكون هدفهم أن يعودوا إلى "حالتهم الجيدة" من جديد وبأسرع ما يمكن حتى إن كان هذا يعني قيامهم بخداع أنفسهم أو بتعاطي بعض المواد أو بالعودة إلى قيمهم الفاشلة.
تعلم كيف تتحمل الألم الذي تختاره.
عندما تختار قيمة جديدة، فإنك تختار إدخال نوع جديد من الألم إلى حياتك. استمتع بهذا الألم، تذوقَهُ، افتح ذراعيكَ مُرحِّبَا به، ثم افعل ما قررتَ فعله على الرغم من وجود الألم.
عندما كنتُ في المدرسة الثانوية، كان معلم الرياضيات السيد باكوود يقول لنا: "إذا وجدت نفسك عاجزا عن حل مسألة، فإياك أن تجلس وتفكر فيها وفي صعوبتها. بل ابدأ العمل على حلها حتى إذا كنت لا تعرف ما تفعله، فإن مجرد العمل على المسألة يؤدي إلى جعل الأفكار الصحيحة تأتي إلى عقلك".
إذا أردت إنجاز أمر ما لكنك لا تشعر بحافز أو إلهام، فإنك تفترض أنك غير قادر على فعله. تفترض أن ما من شيء تستطيع فعله إزاء هذا الأمر.
إذا كنت مفتقرا إلى الحافز الكافي لإحداث تغيير هام في حياتك، فافعلْ شيئا ما، افعل أي شيء ثم اجعل ردة الفعل على ما قمت به، وسيلة تبدأ تحفيز نفسك بها.
إنني أطلق على هذا المبدأ اسم "افعل شيئًا ما".
عندما يعتمد المرء هذا المبدأ، يصير لديه شعور بأن الفشل ليس بالشيء الهام، وعندما يصير القيام بالفعل معيارا للنجاح في حد ذاته، يتم النظر إلى أي نتيجة باعتبارها تقدما.
وعندما ننظر إلى الإلهام الذي يدفعنا إلى العمل باعتباره نوعا من المكافأة لنا، بدلا من النظر إليه باعتباره شرطا مسبقا، فإننا نجد دائما القوة التي تدفعنا إلى الأمام. عندها، نشعر بحريتنا في أن نفشل، ويجعلنا ذلك الفشل نتابع السير نحو النجاح.