إذا كنتَ تجدَ نفسَك تعيسا في وضعكَ الراهن، فمن المحتمل كثيرًا أن يكون ذلك الإحساس ناجما، في جزء منه على الأقل، من أن الأمر خارج عن إرادتك، وأنّ هنالك مشكلة فُرضت عليك فرضا من غير اختيار من جانبك.
عندما نحس أن مشكلاتنا مفروضة علينا ضد إرادتنا فإننا نرى أنفسنا تعساء، ونرى أنفسنا ضحايا.
نحن الأفراد مسؤولون عن كل شيء في حياتنا، بصرف النظر عن الظروف الخارجية المحيطة بنا. نعم لسنا قادرين دائما على التحكم بما يحدث لنا، لكننا قادرون دائما على التحكم بكيفية تفسيرنا، وشكل استجابتنا لكل ما يحدث لنا.
وسواء كنا ندرك الأمر إدراكا واعيا أو لا ندركه، فإننا مسؤولون دائما عن تجاربنا وعما يمر بنا.
من المستحيل ألا نكون مسؤولين لأن اختيارنا ألا نفسر الأحداث التي في حياتنا تفسيرا واعيا يظل في حقيقته تفسيرا لتلك الأحداث وخيارنا ألا نستجيب لتلك الأحداث التي في حياتنا يظل استجابة لها.
يتردد كثير من الناس في تحمل المسؤولية عن مشكلاتهم لأنهم يظنون أن مسؤوليتك عن مشكلاتك لا توجد إلا عندما تكون أنت من تقع عليه اللائمة في خلق هذه المشكلات. لكن هنالك مشكلات لا تقع اللائمة فيها علينا، إلا أننا نظل مسؤولين عنها. فإذا استيقظت في أحد الأيام ووجدت طفلا حديث الولادة على باب بيتك، فما من أحد يستطيع لومك على وجود الرضيع هناك؛ لكن الرضيع صار الآن من مسؤوليتك أنت.
وعليك أنت أن تختار ما تفعله به.
ومهما يكن ما تختاره سواء كان الاحتفاظ بذلك الرضيع، أو التخلص منه، أو تجاهله، فسوف تكون هنالك مشكلات مرتبطة باختيارك، وسوف تكون أنت مسؤولا عن ظهور تلك المشكلات أيضا.
إننا مسؤولون طيلة الوقت عن أحداثٍ وتجاربٍ لا تقع لائمتها علينا. هذا جزء من الحياة.
والفارق بينهما أنّ اللائمة شيء في الماضي، أما المسؤولية فهي فعل في الوقت الحاضر. واللائمة ناتجة عن خيارات قد اتُخذت بالفعل، أما المسؤولية فهي ناتجة عن خيارات تتخذها أنت الآن.
لا أحد غيرك أبدا مسؤول عن وضعك.
قد تقع اللائمة على أشخاص كثيرين في أنكَ غير سعيد، لكن ما من أحد مسؤول عن عدم سعادتك إلا أنت. هذا لأنك أنت الذي يستطيع دائما أن يختار كيف ينظر إلى الأمور وكيف يستجيب لها وكيف يُقيّمُهَا.
هنالك الكثير من الناس الذين يتعاملون مع كونهم مولودين مع نقص ما أو شيء ما، سواء كان ذلك الشيء اضطرابا وِسْواسِيّا قهريا أو قِصَرُ قامة، أو أي شيء آخر. كما لو أنهم محرومون من شيء كبير القيمة.
يشعرون أنهم لا يستطيعون فعل شيء حيال ذلك. ولذلك نراهم يتجنبون المسؤولية عن أوضاعهم. إنهم يفكرون على النحو التالي:
أنا لم أختر موروثاتي الرديئة، ولست مذنبًا إن سارت الأمور إلى مسارٍ سيئ.
هذا صحيح، فاللوم ليس واقعا عليهم. إنها ليست غلطتهم.
لكنها تظل مسؤوليتهم!
فهم مسؤولون دائما عن المضي قدما رغم مشكلاتهم، وعن اتخاذ أفضل الخيارات الممكنة ضمن الظروف المُعطاة.
لا تَقُل "كيف؟"
قد يسمع أشخاص كثيرون هذا كله، ثم يقولون شيئا من قبيل:
" لا بأس، لكن كيف؟ فهمت أن قيمي سيئة، وأنني أتجنب تحمل المسؤولية عن مشاكلي كلها، وأنني لست إلا شخصا تافها يشعر باستحقاق أكثر مما يجب ويظن أن على العالم أن يدور من حوله، ولكن كيف أتغيّر؟"
أقول ردًا على هذا: "افعل أو لا تفعل. لكن لا تقلْ لي كيف؟".
أنت تمارس عملية الاختيار بالفعل؛ تمارسها في كل لحظة من كل يوم.
الأمر بسيط، لكنه صعب، صعب بكل معنى الكلمة.
فحتى تتغير يجب أن تُغيّر ما تهتم به حقًا، لتتغيّر قيمك التي اعتدت الاعتماد عليها لسنوات طويلة، كأن تقرر أن الانصراف إلى الدراسة أكثر أهمية من إقامة الحفلات، وأن الزواج وتكوين أسرة أكثر أهمية من الدخول في علاقات مُحرّمة، وغير ذلك.
ومع إعادتك النظر في قيمك، سوف تواجه مقاومة داخلية ومقاومة خارجية طيلة الطريق. وسوف تشعر أكثر من أي شيء آخر بأنك قد فقدت اليقين في كل شيء، فتصبح غير قادر على التمييز بين ما هو صحيح وما هو خاطئ.
إنه أمر صعب، لكنه طبيعي.