نحن نفترض أنّ السعادة هي عملية منطقية، ومن الممكن أن يعمل المرء من أجلها وأن يحققها ويكسَبُهَا، مثلما يحقق الفرد لنفسه القبول في كلية الحقوق مَثَلًا.
لكن هذه الفَرْضِيّة هي مكمن المشكلة بالضبط، فليست السعادة معادلة رياضية نَحُلّهَا، وذلك لأنّ القلق وعدم الرضا جزءان أصيلان من الطبيعة البشرية، وهما مكونان ضروريان لخلق سعادة مستقرة.
لو كنت قادرا على اختراع بطل خارق، لاخترعت بطلا أُطلِق عليه اسم "باندا الخيبة"، وستكون نقطة قوته الخارقة كامنة في قدرته على إخبار الناس بالحقائق البشعة المزعجة عن أنفسهم، تلك الحقائق التي يجب أن يسمعوها لكنهم لا يريدون قبولها.
سوف يقول للناس أشياء من قبيل: " نعم، إن جَنْي الكثير من المال سيجعلك سعيدًا، لكنه لن يجعل أطفالك يحبونك". أو: إذا كنت بحاجة إلى أن تسأل نفسك إن كنت تثق بزوجتك، فمن المرجح أنك لا تثق بها.
سيكون ذلك الباندا هو البطل الذي لا يريده أحد منا، لكننا في حاجة إليه جميعا.
لقد نشأ جنسنا بحيث نعيش دائما قدرا من عدم الرضا ومن انعدام الأمان، حتى نبذل قدرا أكبر من الجهد والعمل في سبيل التجديد وفي سبيل البقاء. نحن بطبيعتنا غير راضين، سواء تحققَ ما نرجوه أم لم يتحقق بعد.
هذا الغياب الدائم للرضا هو ما جعل جنسنا يقاوم وينجح في البقاء وفي البناء وفي فتح الأرض كلها.
سمعت بَطَلِي الخارق "الباندا" يقول لي: "إن الحياة في جوهرها، سلسلة غير منتهَية من المشاكل، وليس حل إحدى تلك المشاكل إلا بداية للمشكلة التي تليها. لا تأمل في حياة من غير مشاكل. لا وجود لشيء من هذا القبيل. عليك بدلا من ذلك أن ترجو لنفسك حياة فيها مشاكل، ولكن من النوع الجيد.
المشاكلُ ثابت من ثوابت الحياة، وهي لا تتوقف أبدا، بل نحن نبدلها بغيرها، أو نتركها تتفاقم.
وتأتي السعادة من حل المشكلات، فالمفتاح السحري هو كلمة الحل، لا في عدم وجود مشاكل في الحياة من الأساس.
يجب أن يكون لدينا شيء نَحِلّهُ حتى نكون سعداء، فالسعادة إذًا هي شكل من أشكال الفعل؛ إنها نشاط وليست شيئا يأتينا ونحن في حالة سلبية متلقية فقط.
السعادة عمل يتقدم باستمرار لأن حل المشاكل عملية ماضية باستمرار. وأنت لا تعثر على السعادة الحقيقية إلا عندما تجد حلا للمشاكل التي تستمتع بحلها.
مهما تكن مشاكلك، فإن الفكرة تظل هي نفسها: حِلَّ مشاكلك، وكن سعيدا!
لكن الحياة، للأسف، ليست بهذه البساطة، لأن بعض الناس يفسدون الأمر كله إما بإنكار المشاكل، وبإلهاء أنفسهم عنها، وإما بالتفكير بعقلية الضحية، ولوم الآخرين على مشكلاتهم.
ينكر الناس مشاكلهم ويلقون باللوم على الآخرين لسبب بسيط هو أن هذا طريق سهل وأنه يريحهم، في حين أن حل المشاكل عمل صعب، غالبا ما يجعلهم منزعجين.
تنشأ عواطفنا وانفعالاتنا لغاية واحدة محددة: حتى تساعدنا في العيش وفي إعادة إنتاج أنفسنا على نحو أفضل قليلا. هذا كل ما في الأمر.
فإن شعورك بالحزن الناجم عن كونك وحيدا يعلمكَ أن تمتنع عن تكرار فعل الأشياء التي جعلتكَ تشعر بهذه الوِحدة كلها.
وإن شعرت بأنك لازلت منزعجا من أشياءٍ حدثت معكَ في الماضي، فهذا لأن دماغك يخبركَ بأن هنالك مشكلة لم يتم التعامل معها أو لم يتم حلها.
بكلمات أخرى، فإن المشاعر والانفعالات السلبية ليست إلا نداءً إلى الفعل، وعندما تأتيكَ هذه الانفعالات، فمعنى هذا أن عليكَ أن تفعل شيئا.
أما من ناحية أخرى، فإن المشاعر والانفعالات الإيجابية تأتيكَ كنوع من المكافأة لأنك فعلت الشيء الملائم.
والمحزن في الأمر أن إنكار المرء مشاعره وانفعالاته السلبية، ليس إلا رفضا لكثير من الآليات التي تعمل على تزويده بمعلومات تساعده في حل مشكلاته. ونتيجة لهذا، يجد كثيرٌ من الأفراد الذين يعيشون هذا النوع من الكبت صعوبة في التعامل مع مشكلاتهم على امتداد مجرى حياتهم كله. إذا كان هؤلاء غير قادرين على حل تلك المشاكل، فهذا يعني أنهم غير قادرين على أن يكونوا سعداء!
إن المشاعر والانفعالات لا تدوم على حال أبدا، فمهما يكن ما يجعلنا سعداء اليوم فسوف يكف عن جعلنا سعداء غدا، لأن تركيبنا البيولوجي يحتاج دائما إلى المزيد.
والتركيز المستمر على السعادة يصل إلى مطالبة لا تنتهي، ببيت جديد، أو علاقة جديدة، أو طفل جديد، أو أي شيء آخر.
وعلى الرغم من جهودنا في الوصول لكل تلك الأشياء، غالبا ما ينتهي بنا الأمر بنوع من الإحساس المخيف بأننا عدنا إلى حيث بدأنا. يشير علماء النفس إلى هذه الفكرة أحيانا باسم "حلقة المتعة المفرغة"، وهي فكرة أننا نعمل بجد على الدوام من أجل تغيير وضع حياتنا، لكننا لا نحس اختلافا كبيرا في حقيقة الأمر، ونشعر بأن مشكلاتنا متكررة الظهور وهو ما يجعلها شيئا لا يمكن تفاديه.
ومن الأمثلة على ذلك أن الشخص الذي تحبينه وتتزوجينه هو نفسه الشخص الذي تتشاجرين معه، ووظيفة الأحلام التي تحصل عليها هي الوظيفة التي تجعلُكَ تعيش تحت ضغط متطلبات العمل التي لا تنتهي.
ولذلك عليكَ أن تعلم أن هنالك قدرا من التضحية ملازم لكل شيء دائما، فكل ما يمنحنا إحساسا طيبا سيجعلنا نعيش إحساسا سيئا أيضا.
وهو أمر لا مفر منه.
إذا سألتُكَ: "ما الذي تريده من حياتك؟" فأجبتَني بشيء من قَبِيل: "أريد أن أكون سعيدا وأن تكون لي أسرة رائعة وعمل أحبُه"، فإن إجابتَكَ إجابة متوقعة إلى حد يجعلها لا تعني أي شيء في واقع الأمر.
السؤال الصحيح هو: "ما الألم الذي أنتَ راغب في تحمله أو قادر على تحمله؟"
عليك أن تختار شيئا، لا يمكنك أن تحظى بحياة لا ألم فيها، لا يمكن أن تكون الحياة كلها مفروشة بالورود طيلة الوقت. السعادة هي السؤال السهل. وتكاد الإجابة على هذا السؤال تكون متماثلة عندنا جميعا. السؤال الأكثر إثارة للاهتمام هو سؤال الألم. ما الألم الذي أنت راغب في عيشه؟ هذا هو السؤال الصعب الذي له أهمية حقًا.