في الصحيحين من حديث أنس ابن مالك - رضي الله عنه - «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتى على امرأة تبكي على صبي لها، فقال لها اتقي الله واصبري، فقالت: وما تبالي بمصيبتي فلما ذهب، قيل لها إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها مثل الموت، فأتت بابه، فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند أول صدمة، أو قال: عند أول الصدمة»، وقد ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبر ومنافعه وأحكامه وموضعه في أحاديث عدة مؤكدا أهميته في كل موقف وحدث، فحصول المؤمن على حسنة لا يأتي إلا بصبره على المصائب.
"«إن أمر المؤمن كله عجب: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له»".
وقال الحسن: الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده، وقال عمر بن عبد العزيز: ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعاضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيرا ما انتزعه. وقال ميمون بن مهران: ما نال أحد شيئا من ختم الخير فما دونه إلا بالصبر وقال سليمان بن القاسم: كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر، قال الله تعالى: }إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب{ [ الزمر : 10] وقد ذكر السلف والصحابة الصبر في مواقف عدة مع ذكر منافعه على المؤمن.
"وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا عبد الله بن لهيعة، عن عطاء بن دينار؛ أن سعيد بن جبير قال : «الصبر اعتراف العبد لله بما أصابه منه، واحتسابه عند الله، ورجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو يتجلد لا يرى منه إلا الصبر»".
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل إن الميت يعاقب ببكاء أهله عليه ونواحهم، وإنما قال يعذب بذلك، ولا ريب أن ذلك يؤلمه ويعذبه، والعذاب هو الألم الذي يحصل له، وهو أعم من العقاب، والأعم لا يستلزم الأخص، وهذا العذاب يحصل للمؤمن والكافر، حتى أن الميت ليتألم بمن يعاقب في قبره في جواره، ويتأذى بذلك كما يتأذى الإنسان في الدنيا بما يشاهده من عقوبة جاره، فإذا بكى أهل الميت عليه البكاء المحرم، وهو البكاء الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه، والبكاء على الميت عندهم اسم لذلك، وهو معروف في نظمهم ونثرهم، تألم الميت بذلك في قبره، فهذا التألم هو عذابه بالبكاء عليه.
"والفرق بين ما قبل الموت وبعده أنه قبل الموت يرجى، فيكون البكاء عليه حذرا، فإذا مات انقطع الرجاء وأبرم القضاء فلا ينفع البكاء".