قد يسمعُ العامّيُّ ذمَّ الدنيا فِي القرآنِ المجيدِ والأحاديثِ، فيرى أنّ النجاةَ في تركِها، ولا يدري ما الدنيا المذمومةُ، فيُلبّسُ عليه إبليسُ بأنك لا تنجو فِي الآخرةِ إلا بتركِ الدنيا، فيَخرجُ على وجهِه إِلى الجبالِ فيَبعُدُ عَنِ الجماعةِ والعِلمِ، ويصيرُ كالوحشِ، ويُخيّلُ إليه أنّ هذا هو الزهدُ الحقيقيُّ.
ومِن تلبيسِه على الزُهّادِ إعراضُهم عَنِ العلمِ شغلًا بالزهدِ، فقد استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ، وبيانُ ذلك أنّ الزاهدَ لا يتعدّى نفعُه عتبةَ بابهِ، وأمّا العالِمُ فنفعُه مُتَعَدٍّ.
ومن تلبيسِه عليهم أنّه يُوهمُهم أنّ الزهدَ هو تركُ المُباحاتِ، فمنهم مَن لا يَزِيدُ على خبزِ الشعيرِ، ومنهم مَن لا يذوقُ الفاكهةَ، ومنهم من يُعذّبُ نفسَهُ بِلُبْسِ الصُوفِ ويمنعُها الماءَ الباردَ، وما هذه طريقةَ نبيِّ اللهِ ولا طريقَ أصحابِه وأتباعِهم.