البابُ الثالثُ عشرَ

في ذِكْرِ تَلبِيسِ إبليس على الناسِ بِطُولِ الأملِ

كمْ قدْ خطر على قلبِ يهوديٍّ ونصرانيٍّ حبُّ الإسلامِ، فلا يزالُ إبليسُ يُؤخرُه ويقولُ له لا تعجلْ، وتمهلْ في النظرِ، فَيُسوّفُه حتى يموتَ على كفرِه، وكذلك يُسَوّفُ العاصيَ بالتوبةِ، فيجعلُ له غَرضَه من الشهَواتِ ويُمنِّيه التوبةَ والإنابةَ.

ولربما عزم الفقيهُ على إعادةِ درسِه فقال له إبليسُ: استرحْ ساعةً، أو انتبَهَ العابدُ في الليلِ يُصلي فقال له: عليك وقتٌ، ولا يزالُ يُحبّبُ الكسلَ، ويُسوّفُ العملَ، ويُسندُ الأمرَ إلى طولِ الأملِ، فينبغي للحازمِ أن يعملَ على الحزمِ في تداركِ الوقتِ، فسببُ كلِّ تقصيرٍ في خيرٍ هو طولُ الأملِ، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: "صلِّ صلاةَ مودِّعٍ"، فالمُستعدُّ والمُتيقّظُ في الدُنيا إذا جاءهُ ملَكُ الموتِ لم يندمْ، أمّا المغرورُ المُسَوّفُ فإنّه يتجرّعُ مريرَ الندمِ وقتَ الرحلةِ.

..

وفي النهايةِ، على الإنسانِ أن يُدركَ أنّه في حربٍ، وأنّ عَدُوَّه لا يَفْتُرُ عنه، فإن فَتَر في الظاهرِ، أبطنَ له مكيدةً، وأقام له كمينًا.

ونحن نسألُ الله عزَّ وجلَّ السلامةَ من كيدِ العدوِّ وفتنِ الشيطانِ وشرِّ النفوسِ والدنيا، إنّه قريبٌ مجيبٌ.

 

 


تَلبِيسُ إبلِيس
تَلبِيسُ إبلِيس
ابن قيم الجوزية
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00