قال الشيخُ أبو الفرجِ: "اعلم أنّ الآدميَّ لمّا خُلق، رُكِّب فيه الهوى والشهوةُ ليجتلبَ بذلك مَا ينفعُه، ووُضعَ فيه الغضبُ ليَدفعَ به مَا يؤذيه، وأُعطيَ العقلَ كالمؤدِّبِ يأمرُهُ بالعدلِ فيما يَجتلبُ ويَجتنبُ. وخُلقَ الشَّيْطَانُ مُحرِّضًا له على الإسرافِ في اجتلابِه واجتنابِه، فالواجبُ عَلَى العاقلِ أن يأخذَ حِذْرَه من هذا العدُوِّ الذي قد أبَانَ عدواتَه من زمنِ آدمَ، وَقَدْ بذل عُمرَهُ ونفسَه فِي فسادِ أحوالِ بني آدمَ".
وقَالَ أيضًا: "وينبغي أن تَعلمَ أنّ إبليسَ شُغْلُهُ التلبيسُ، أولُ مَا التبسَ عَليهِ الأمرُ فأعرض عنِ النصِّ الصريحِ على السجودِ، ثم أردفَ ذلك بالاعتراضِ عَلَى الملكِ الحكيمِ فَقَالَ: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} الإسراء (62) ثم أتْبع ذلك بالكِبْرِ فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} الأعراف (12)، ثم امتنع عَنِ السجودِ.
قال رسولُ اللهِ: "إِنَّ الشيطانَ وَاضِعٌ خَطْمَه - أي مُقدّمةَ أنفِهُ وفمِه - على قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ وَإِنْ نَسِيَ اللَّهَ الْتَقَمَ قَلْبَهُ".
قَالَ الْقُرَشِيُّ: "سَمِعْتُ أَنَّ الشيطانَ قَالَ لِلْمَرْأَةِ أَنْتِ نِصْفُ جُنْدِي، وَأَنْتِ سَهْمِي الذي أَرْمِي بِهِ فَلا أُخطئُ، وَأَنْتِ مَوْضِعُ سِرِّي، وَأَنْتِ رَسُولِي فِي حَاجَتِي". وقال أيضًا: سمِعْتُ أنّ رَاهِبًا قال لِلشَّيْطانِ: "أَيُّ أَخْلاقِ بَنِي آدَمَ أَعْوَنُ لَكَ عَلَيْهِمْ؟" قَالَ: "الحِدّةُ - وهو حالُ الإنسانِ عندَ الغضبِ - إِنَّ العَبْدَ إِذَا كَانَ حَدِيدًا، قَلَّبْنَاهُ كَمَا يُقَلِّبُ الصِّبْيَانُ الكُرَةَ".
وقال مَخلدُ بنُ الْحُسَيْنِ: "مَا ندب اللَّهُ العبادَ إِلَى شيءٍ، إلا اعترضَ فيه إبليسُ بأمرينِ، مَا يبالي بأيِّهِما ظفرَ، إمّا غُلوٌ فيه وإمّا تقصيرٌ عنه".
ذكرُ الإعلامِ بأن مَعَ كلِّ إنسانٍ شيطانًا:
خَرَج رسولُ اللهِ من عندِ عائشةَ ليلًا، فَغَارت عليه، فقال لها: "مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ أَغَرْتِ؟" فَقالت: "وَمَا لِي لا يُغَارُ مِثْلِي على مثلِك"، فقال: "أوَ قد جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟" قَالَتْ: "يَا رَسُولَ الله أوَ معي شَيْطَانٌ؟" قَالَ: "نَعَمْ"، قالت: "وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟" قَالَ: "نَعَمْ" قالت: "وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟" قَالَ: "نَعَمْ وَلَكِنَّ رَبِّي عزَّ وجلَّ أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ".
ذكرُ التعوّذِ منَ الشيطانِ الرجيمِ:
قَالَ الشيخُ أَبُو الفرجِ: إنّ اللهَ تعالى قد أمرَ بالتعوّذِ من الشَّيْطانِ الرجيمِ عند التلاوةِ فَقَالَ تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (النحل - 98)، وعند السحَرِ فَقَالَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} إِلَى آخرِ السورةِ، والتعوّذُ معناه التحصّنُ والالتجاءُ، والمُعَوِّذتانِ عَوَّذَتا قارئَهما، أي عصمتاه من كلِّ سوءٍ.