يأتي إبليسُ إِلَى العامّي، فيَحملُه على التفكّرِ فِي ذاتِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ وصفاتِه فيتَشكّكُ، وقد أَخبر رسولُ اللَّهِ عن ذلك فقال: "تَسألون حتى تقولوا هذا اللَّهُ خلقَنا، فمَن خلقَ اللَّهَ".
وقدْ يُسوّلُ إبليسُ للعامّيِّ مخاصمةَ ربِّه، فمنهم من يَقُولُ لربِّه كيف قضى وعاقب، ومنهم من يقولُ: لِم ضيّقَ رزقَ المُتّقي وأوسع على العاصي؟ ومنهم طائفةٌ تشكرُ على النّعمِ، فإِذَا جاء البلاءُ اعترض وكفر، ومنهم من يقولُ: أيُّ حكمةٍ فِي هدمِ هذه الأجسادِ ليعذبَها اللهُ بالفَناءِ بعد بِنائها؟ وربما غلب فاجرٌ نصرانيٌ مؤمنًا فقتله أَوْ ضربه، فيقولُ العوامُّ: قد غَلَب الصليبُ، ولماذا نُصلي إذا كان الأمرُ كذلك؟
كلُ هذه الآفاتِ تمكّنَ بِهَا منهم إبليسُ لبعدِهم عَنِ العلمِ والعلماءِ فلو أنهم استفهموا أهلَ العلمِ لأخبروهم أن اللَّهَ عزَّ وجلَّ حكيمٌ ومالكٌ، فلا يبقى مع هذا اعتراضٌ.
ومِن تلبيسِه عليهم أن يعتمدَ أحدُهم على خيرٍ فعَلَه، ولا يُبالي بما فعل بعدَها، فمنهم من يَقُولُ أنا مِن أهلِ السُّنّةِ وأهلُ السُّنّةِ على خيرٍ، ثم لا يتحاشى عَنِ المعاصي، وهو لا يدري بأنّ الاعتقادَ فرضٌ، وأنّ الكفَّ عَنِ المعاصي فرضٌ آخرُ، فلا يَكفي أحدُهما عنْ صاحبِه.
وقد لبَّس إبليسُ على جمهورِ العوامِّ بالجريانِ مع العاداتِ، وذلك من أكثرِ أسبابِ هلاكِهم، فمِن ذلك أنّهم يُقلّدون الآباءَ، والإسلامُ في اعتقادِهم هو ما نشَئُوا عليه من العادةِ، فترى الرجلَ منهم يعيشُ خمسين سنةً على ما كان عليه أبوه، ولا ينظرُ أكان على صوابٍ أم على خطأٍ، فأصبح المسلمون يَجْرون في صلاتِهم وعباداتِهم مع العادةِ، فيعيشُ الرجلُ سنينَ يُصلّي على صورةِ ما رأى الناسَ يصلّون، ولعلّه لا يُقيمُ الفاتحةَ ولا يدري ما واجباتُ الصلاةِ، ولا يُحاولُ أن يَعرِفَ ذلك هوانًا بالدينِ.