قصّة موسى كليم الله 

هو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوى بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام. وقد قال تعالى عنه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} [مريم: 51].

ويُخبرنا الله عزّ وجل عن فرعون، المَلكُ الظالم الذي تجبّر في الأرض، فقال عنه تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 4]. ومعنى جعل أهلها شيعًا، أي قسّمهم لطوائف يستضعف بعضهم، وهم بني إسرائيل الذين هم من سلالة نبي الله يعقوب، وذلك لأنّ بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما آثروا به عن الخليل أنّه سيخرج من سلالته غلامٌ يكون هلاكًا لملك مصر الفرعون، فوصل الأمر لفرعون ليأمر بقتل أبناء بني إسرائيل حذرًا من وجود هذا الغلام، وجعل رجاله يذبحون أي ذكرٍ تلِده امرأة.

فأوحى الله إلى أم موسى كما قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (٨) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)} [القصص].

تربى موسى بين يدي زوجة فرعون آسية بنت مزاحم، ولمّا بلغ موسى أشُدَّه واستوى، أي بلغ سن الأربعين في قول الأكثرين من المفسرين، آتاه الله حكمًا وعلمًا وهو النبوة والرسالة.

وفي يومٍ، دخل موسى المدينة، فوجد رجلين يتقاتلان بها، أحدهما من شِيعته (أي من بني إسرائيل) والآخر من عدوِّه (أي قبطي)، فلما اقترب الإسرائيليّ من موسى يطلب منه المساعدة، أقبل موسى على الرجل الآخر فوَكَزَه (أي ضربه بجُمع كفّه) فقضى عليه ومات الرجل، ولم يقصد موسى سوى زجره فقط.

وأصبح موسى بمصر خائفًا من فرعون وملائه أن يعلموا أن موسى قد قتل شخصًا منهم نُصرةً لرجلٍ من بني إسرائيل، فوصل الخبر لفرعون ليُرسل في طلب موسى، وحينها خرج موسى من مصر على الفور لا يعرف طريقه حتى.

واستمر في طريقه حتى بلغ مدين، وهي مدينة تسمى البدع في منطقة تبوك بالمملكة العربية السعودية حاليًا، والتي أهلك الله فيها أصحاب الأيكة من قوم شعيب عليه السلام. فوجد موسى بئرًا في مدين وعنده جماعةً من الناس يسقون حيواناتهم من البئر، وخلفهما امرأتين تحاولان أن تمنعا غنمهما من الاختلاط بغنم الناس، فساعدهما موسى وسقى غنمهما. ثم ذهب موسى إلى ظل شجرة خضراء ودعا كما قال تعالى: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: 24].

يُقال أنّ المرأتان سمعتا دعُاء موسى لله، فأخبرتا أبيهما بأمرِ مُوسى، فأمَر إحداهما أن تذهب إليه فتدعوه، فذَهَب موسى إليه وقصّ عليه ما جرى بمصر، وخروجه فرارًا من فرعون، فقال له الشيخ ألا يخاف فقد نجّاه الله من القوم الظالمين. وقد اختلف المُفسّرون حول ذلك الشيخ، فقيل أنّه شُعيب عليه السلام، وقيل أنّه غير ذلك. وقال الشيخ لمُوسى أنّه يعرض عليه أن يتزوج إحدى بناته على أن يعمل لَديه لمدة ثماني سنوات، أو عشر سنوات إن رغِب هو، وقيل أنّ مُوسى أتمّ المُدّة لعشر ِسنوات، وأنّه تزوج الأُخت الصُغرى.

ثم سار موسى بأهله وقيل سار قاصدًا بلاد مصر لزيارتهم، وتاهوا في طريقهم فلم يهتدوا إلى السلوك في الدرب المألوف، حتى أبصر موسى نارًا تتأجج من جانب الطور وهو الجبل الغربيّ منه عن يمينه، فقال لأهله امكثوا إني آنستُ نارًا وذهب لعلّه يستعلم عن أمرها، وعندما بلغها في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)} [طه]، فخلع حذاءه تعظيمًا وتكريمًا لتلك البقعة المباركة التي كلَّم الله فيها نبيّه موسى.

أمر الله موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون كي يدعوه لعبادة الله الواحد، فطلب موسى من الله أن يجعل معهُ أخيه هارون لأنّه أفصح منه لسانًا، وذهب موسى وهارون للقاء فرعون، فقالا له بأنهما رسولان من ربِ العالمين الذي لا إله إلا هو، ولكنّ فرعون تجبّر وهدّد موسى بالسجن إن اتخذ إلهًا غيره.

حينها أظهرَ موسى البرهانان الذي أيّدهُ الله بهما في البقعة المُباركة، العصا واليد، فألقى موسى عصاهُ فتحولت إلى حيّة ضخمة أخافت فرعون وقومه، وكذلك أبهر مُوسى الأبصار حينما أدخل يده في جيبهِ فخرجت تتلألأ نورًا ساطعًا، ولكنّ ذلك لم يجعل فرعون يؤمن بالله تعالى، واتّهمّ موسى بالسِحْر.

وتكرّر لقاء موسى بفرعون حينما جمع فرعون عددًا كبيرًا من السحرة ليغلبوا سحر موسى وأخيه، والذين سجدوا لله تعالى أمام فرعون، حينما أيقنوا أنّ موسى ليس بساحرٍ وإنما هو رسول من رب العالمين.

ثم التقى فريق موسى بمن معه، وفريق فرعون في البحرِ، وحينها قال أصحاب موسى وهم خائفون: {إنّا لَمُدْرَكون}، فقال لهم مُوسى: {كلّا إنّ معي ربّي سَيهدينِ} [طه: 61-62]، وأمر الله موسى أن يضرب بعصاه البحر، فلما فعل انفلقَ البحر فكان قائمًا كالجبال، ويقال أنّه انقسم إلى اثني عشر طريقًا، فمرّ خلاله مُوسى ومن معه من بني إسرائيل وهم مُستبشرين، أمّا فرعون فصارت الأمواج ترفعه تارة وتُخفضه أخرى، حتى أيقن الهلاك، فحينها تاب وآمن، حين لا ينفعُ نفسًا إيمانها.

قال تعالى: ﴿۞حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 90]

وعاد موسى لبني إسرائيل يبلّغهم عن الرب عز وجل وصار معهم مما دلّ عليه القرآن من عبادة بني إسرائيل للعِجل من دون الله، ثم قصة بقرة بني إسرائيل الصفراء فاقعة اللون التي تسرّ الناظرين.

وفي قصّة قارون مع موسى عليه السلام، قال الله تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76] إلى آخر الآيات من قصّة قارون. وعن ابن عباس قال: كان قارون ابن عمّ موسى عليه السلام وهذا كان قول أكثر أهل العلم، وردّ ابن إسحاق: أنّ قارون كان عمّ موسى وكان يُسمّى النور لحسن صوته بالتوراة، ولكنّه نافق الله كما نافق السامريّ الذي صنع العجل لبني إسرائيل ليفتنهم بعبادته.

وفي وفاة موسى عليه السلام، عن أبي هريرة قال: أُرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكّه، ففقأَ عينَهُ، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عليه عينه وقال: ارجع، فقل له: يضع يده على متن- أي على ظهر- ثور فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلو كنت ثُمّ -أي هناك- لأريتكم قبره، إلى جانب الطريق، عند الكثيب -وهو تل الرمل- الأحمر".

 

نبوَّة يُوشَع وقيامه بأعباء بٕني إسرائيل بعد موسى وهارون عليهما السلام

هو يُوشَع بن نون بن أفرائيم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، وأهل الكتاب يقولون يوشَع بن عمّ هود، وقد ذكره الله تعالى في القرآن غير مصرَّح باسمه في قصة الخضر في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ - فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ} [سورة الكهف: 60-62].

 

قصَّة الخضر عليه السلام

أمّا الخضر، فقد ذُكر أنّ موسى عليه السلام رحل إليه في طلب ما عنده من العلم، وقصّ الله من خبرهما في كتابه العزيز في سورة الكهف. وقد اختُلِف في الخضر واسمه ونسبه ونبوّته وحياته، ونأخذ من قول الحافظ ابن عساكر: أنّ الخضر ابن آدم عليه السلام لصلبه، وقال أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستان: سمعتُ مشيختنا منهم أبو عبيدة وغيره قالوا أنّ أطول بني آدم عمرّا هو الخضر، واسمه خضرون بن قابيل بن آدم.

أما قصة موسى مع الخضر عليهما السلام، فتبدأ حينما سأل بنو إسرائيل موسى عن أعلم الناس، فقال لهم موسى: أنا، فأوحى الله إلى موسى بأنّ له عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منه، فانطلق موسى مع فتاهُ يوشع بن نون، وانتهيا إلى الصخرة التي وجدا عندها الخضر، فشرط عليه الخضر ألا يسأله عن شيءٍ حتى يُخبره هو بأمره.

وحينما مرّت سفينة أمامهم، اقتلع الخضر لوحًا من ألواحها، فاعترض موسى على ما فعله الخضر، ولكنه اعتذر حينما ذكرّه الخضر بما اتفقا عليه. ثم قام الخضر بقتل غلام يلعب مع الغلمان، فأنكر عليه موسى ذلك، فذكره الخضر من جديد بما اشترطه عليه، وأخبره أنّه إن سأله لمرة ثالثة عن شيءٍ، فسوف يفترق عنه، فقال له موسى أنه لن يفعل. وحينما دخلوا قرية طلبًا للطعام، وجد الخضر جدارًا مائلًا فأصلحه، فأخبره موسى بأنه يمكنه أن يأخذ أجرًا على ذلك، حينها قال الخضر لموسى بأنّ صحبتهما قد انتهت، ثم فسّر له ما بدر منه من قبل، فالسفينة كانت ستؤخذ عنوة من قبل ملك ظالم، لذلك أراد أن يُعيبها، والغلام كان كافرًا، وأبواه كانا مؤمنين، فقتل الخضر الغلام خوفًا من أن يفتنهما في دينهما، والجدار كان تحته كنز لولدين يتيمين، فأراد الخضر أن يحفظ لهما كنزهما حتى يكبرا.

 

قصة إلياس عليه السلام

أمّا إلياس عليه السلام فقد قال الله تعالى عنه بعد قصة موسى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (١٢٤) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (١٢٥) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٦) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٢٧) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٢٨) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٢٩) سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ (١٣٠) إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٣١) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} [الصافات].

وقال علماء النسب أنّه إلياس بن العازر بن العيزار بن هارون بن عمران. وقالوا: وكان إرساله إلى أهل بعلبك غربيّ دمشق، فدعاهم إلى الله عز وجل وأن يتركوا عبادة صنمٍ لهم كانوا يسمّونه بعلًا، وقيل كانت امرأة اسمها بعل والأول أصح، فكذّبوه وخالفوه وأرادوا قتله، فيُقال إنه هرب منهم واختفى عنهم.

وقيل أن إلياس اختفى من مَلِك قومه في الغار الذي تحت الدم عشر سنين، حتى أهلك الله المَلك وولّى غيره، فأتاه إلياس فعرض عليه الإسلام فأسلم، وأسلم من قومه خَلقٌ عظيم غير عشرة آلاف منهم، فأمر بهم فقُتِلوا عن آخرهم، والله أعلى وأعلم.

 


البداية والنهاية - الجزء الأول
البداية والنهاية - الجزء الأول
أبي الفداء إسماعيل بن كثير
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00