فذهب طوائف من المتكلمين إلى أنه لم يكن قبلهما شيء وأنهما خلقتا من العدم المحض، وقال آخرون بل كان قبل السموات والأرض مخلوقات أخرى لقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) [هود: 7]
والثاني أن البحر اسم جنس يعم سائر البحار التي في الأرض وهو قول الجمهور، واختلفوا في معنى البحر المسجور فقيل المملوء، وقيل يصير يوم القيامة نارا تؤجج فيحيط بأهل الموقف.
فذكرنا في التفسير ما ذكره غير واحد من العلماء، من أنّ الملائكة تبدو لهم في صورة شباب حسان امتحانًا واختبارًا، حتى قامت على قوم لوط الحجة، وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
وكذلك كان جبريل يأتى الى نبي صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة، فتارة يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وتارة في صورة أعرابي، وتارة في صورته التي خُلق عليها، له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب، كما رآه صلى الله عليه وسلم على هذه الصفة مرتين. مرة منهبطًا من السماء إلى الأرض. وتارة كما قال الله تعالى: ﴿عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ﴾ [النجم: 14-15].
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الجنّ، وذلك أنّه لما قرأ سورة الرحمن على الناس فسكتوا. فقال: "الجن كانوا أحسن منكم ردا، ما قرأت عليهم: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن: 13]، إلا قالوا، ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد".
وقد اختلف في مؤمني الجن هل يدخلون الجنة أو يكون جزاء طائعهم أن لا يعذب بالنار فقط. على قولين، الصحيح أنهم يدخلون الجنة لعموم القرآن ولعموم قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: 46]، فامتنّ تعالى عليهم بذلك، فلولا أنهم ينالونه لما ذكره وعدّه عليهم من النعم، وهذا وحده دليل مستقل كاف في المسألة، والله أعلم.
قال الحسن البصري: قاس إبليس وهو أول من قاس، وقال محمد بن سيرين: أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس ولا القمر الا بالمقاييس رواهما ابن جرير.
ومعنى هذا انه نظر نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم، فرأى نفسه أشرف من آدم فامتنع من السجود له، مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود.
والقياس إذا كان مقابلا بالنص كان فاسد الاعتبار، ثم هو فاسد في نفسه فان الطين أنفع وخير من النار، فان الطين فيه الرزانة والحلم والأناة والنمو، والنار فيها الطيش والخفة والسرعة والإحراق، ثم آدم شرفه الله بخلقه له بيده ونفخه فيه من روحه، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له.
ولما توفي آدم عليه السلام وكان ذلك يوم الجمعة، جاءته الملائكة بحنوط وكفن من عند الله عز وجل من الجنة، وعزّوا فيه ابنه ووصيه شيثا عليه السلام. قال ابن إسحاق: وكسفت الشمس والقمر سبعة أيام بلياليهن.
ورأيت في بعض الآثار أن الله عز وجل كشف الحجاب فيما بين إبراهيم عليه السلام وبين سارة، فلم يزل يراها منذ خرجت من عنده إلى أن رجعت إليه، وكان مشاهدًا لها وهي عند الملك، وكيف عصمها الله منه، ليكون ذلك أطيب لقلبه وأقر لعينه وأشد لطمأنينته، فإنه كان يحبها حبا شديدا لدينها وقرابتها منه وحسنها الباهر، فإنه قد قيل إنه لم تكن امرأة بعد حواء إلى زمانها أحسن منها رضي الله عنها.
ذكر تعالى ما كان من أمر بني إسرائيل، حين ذهب موسى عليه السلام إلى ميقات ربه، فمكث على الطور يناجيه ربه، ويسأله موسى عليه السلام عن أشياء كثيرة، وهو تعالى يُجيبه عنها، فعمد رجل منهم يقال له هارون السامري، فاخذ ما كان استعاره من الحلي، فصاغ منه عجلًا، وألقى فيه قبضة من التراب كان أخذها من أثر فرس جبريل حين رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه، فلما ألقاها فيه خار كما يخور العجل الحقيقي.
ويُقال إنه استحال عجلا جسدا أي لحما ودما حيا يخور، وقيل بل كانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فمه فيخور كما تخور البقرة، فيرقصون حوله ويفرحون. قال تعالى: ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه: 88]، أي فنسي موسى ربه، وذهب يتطلبه وهو ها هنا، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وتقدست أسماؤه وصفاته، وتضاعفت آلاؤه وعداته.