• أجمع العلماء قاطبة لا يشك في ذلك مسلم، أنّ الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ، كما دل عليه القرآن الكريم. فاختلفوا في هذه الأيام أهي كأيامنا هذه؟ أو كل يوم كألف سنة مما تعدون؟ واختلفوا هل كان قبل خلق السموات والأرض شيء مخلوق قبلهما.

فذهب طوائف من المتكلمين إلى أنه لم يكن قبلهما شيء وأنهما خلقتا من العدم المحض، وقال آخرون بل كان قبل السموات والأرض مخلوقات أخرى لقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) [هود: 7]

 

  • قال شهر بن حوشب: «حملة العرش ثمانية، أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك» .

 

  •  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أول ما خلق الله القلم. ثم قال له اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة»، والذي عليه الجمهور: (أنّ العرش مخلوق قبل ذلك).  

 

  •  عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاث، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة، آخر خلقٍ خُلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل»

 

  • عن ابن مسعود قال: قلت يا رسول الله أي الظلم أعظم، قال: "ذراع من الأرض ينتقصه المرء المسلم من حق أخيه، فليس حصاة من الأرض يأخذها أحد، إلا طوقها يوم القيامة إلى قعر الأرض، ولا يعلم قعرها إلا الذي خلقها".

 

  •  وقوله تعالى: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: 6]، فيه قولان: أحدهما أن المراد به البحر الذي تحت العرش المذكور في حديث الأوعال. وأنّه فوق السموات السبع بين أسفله وأعلاه كما بين سماء إلى سماء، وهو الذي ينزل منه المطر قبل البعث فتحيا منه الأجساد من قبورها، وهذا القول هو اختيار الربيع بن أنس.

والثاني أن البحر اسم جنس يعم سائر البحار التي في الأرض وهو قول الجمهور، واختلفوا في معنى البحر المسجور فقيل المملوء، وقيل يصير يوم القيامة نارا تؤجج فيحيط بأهل الموقف. 

 

  •  والآيات في ذكر الملائكة كثيرة جدًا، يصفهم تعالى بالقوة في العبادة، وفي الخلق وحسن المنظر، وعظمة الأشكال وقوة الشكل في الصور المتعددة، كما قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ،  وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) [هود: 77-78].

فذكرنا في التفسير ما ذكره غير واحد من العلماء، من أنّ الملائكة تبدو لهم في صورة شباب حسان امتحانًا واختبارًا، حتى قامت على قوم لوط الحجة، وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.

وكذلك كان جبريل يأتى الى نبي صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة، فتارة يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وتارة في صورة أعرابي، وتارة في صورته التي خُلق عليها، له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب، كما رآه صلى الله عليه وسلم على هذه الصفة مرتين. مرة منهبطًا من السماء إلى الأرض. وتارة كما قال الله تعالى: ﴿عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ،  عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ [النجم: 14-15]. 

 

  • وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الجنّ، وذلك أنّه لما قرأ سورة الرحمن على الناس فسكتوا. فقال: "الجن كانوا أحسن منكم ردا، ما قرأت عليهم: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن: 13]،  إلا قالوا، ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد".

وقد اختلف في مؤمني الجن هل يدخلون الجنة أو يكون جزاء طائعهم أن لا يعذب بالنار فقط. على قولين، الصحيح أنهم يدخلون الجنة لعموم القرآن ولعموم قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: 46]، فامتنّ تعالى عليهم بذلك، فلولا أنهم ينالونه لما ذكره وعدّه عليهم من النعم، وهذا وحده دليل مستقل كاف في المسألة، والله أعلم.

 

  • قال الحسن البصري: قاس إبليس وهو أول من قاس، وقال محمد بن سيرين: أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس ولا القمر الا بالمقاييس رواهما ابن جرير.

ومعنى هذا انه نظر نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم، فرأى نفسه أشرف من آدم فامتنع من السجود له، مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود.

والقياس إذا كان مقابلا بالنص كان فاسد الاعتبار، ثم هو فاسد في نفسه فان الطين أنفع وخير من النار، فان الطين فيه الرزانة والحلم والأناة والنمو، والنار فيها الطيش والخفة والسرعة والإحراق، ثم آدم شرفه الله بخلقه له بيده ونفخه فيه من روحه، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له.

 

  • قال محمد بن إسحاق: ولما حضرت آدم الوفاة، عهد إلى ابنه شيث وعلمه ساعات الليل والنهار، وعلمه عبادات تلك الساعات، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك. قال: ويقال إن انتساب بني آدم اليوم كلها تنتهي إلى شيث، وسائر أولاد آدم غيره انقرضوا وبادوا والله أعلم.

ولما توفي آدم عليه السلام وكان ذلك يوم الجمعة، جاءته الملائكة بحنوط وكفن من عند الله عز وجل من الجنة، وعزّوا فيه ابنه ووصيه شيثا عليه السلام. قال ابن إسحاق: وكسفت الشمس والقمر سبعة أيام بلياليهن.

 

  • وقد ذهب بعض العلماء إلى نبوة ثلاث نسوة، سارة، وأم موسى، ومريم عليهن السلام. والذي عليه الجمهور أنهنّ صديقات رضي الله عنهن وأرضاهن.

ورأيت في بعض الآثار أن الله عز وجل كشف الحجاب فيما بين إبراهيم عليه السلام وبين سارة، فلم يزل يراها منذ خرجت من عنده إلى أن رجعت إليه، وكان مشاهدًا لها وهي عند الملك، وكيف عصمها الله منه، ليكون ذلك أطيب لقلبه وأقر لعينه وأشد لطمأنينته، فإنه كان يحبها حبا شديدا لدينها وقرابتها منه وحسنها الباهر، فإنه قد قيل إنه لم تكن امرأة بعد حواء إلى زمانها أحسن منها رضي الله عنها.

 

  • قال مبارك بن فضالة عن الحسن: أُلقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وغاب عن أبيه ثمانين سنة، وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة. ومات وهو ابن مائة سنة وعشرين سنة.

 

  • ذكر تعالى ما كان من أمر بني إسرائيل، حين ذهب موسى عليه السلام إلى ميقات ربه، فمكث على الطور يناجيه ربه، ويسأله موسى عليه السلام عن أشياء كثيرة، وهو تعالى يُجيبه عنها، فعمد رجل منهم يقال له هارون السامري، فاخذ ما كان استعاره من الحلي، فصاغ منه عجلًا، وألقى فيه قبضة من التراب كان أخذها من أثر فرس جبريل حين رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه، فلما ألقاها فيه خار كما يخور العجل الحقيقي.

ويُقال إنه استحال عجلا جسدا أي لحما ودما حيا يخور، وقيل بل كانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فمه فيخور كما تخور البقرة، فيرقصون حوله ويفرحون. قال تعالى: ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه: 88]،  أي فنسي موسى ربه، وذهب يتطلبه وهو ها هنا، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وتقدست أسماؤه وصفاته، وتضاعفت آلاؤه وعداته.

 


البداية والنهاية - الجزء الأول
البداية والنهاية - الجزء الأول
أبي الفداء إسماعيل بن كثير
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00