قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ، وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم٥٦-٥٧].
هو إدريس بن يَرظ بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم، وقد أثنى الله عليه ووصفه بالنبوَّة والصديقية، وهو في نسب رسول الله ﷺ، وكان أول بَني آدم أُعطِي النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام.
وذَكر ابن إسحاق أنّه أول مَن خطَّ بالقلم وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنةٍ وثماني سنين.
هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ، وقال الحافظ ابن حاتم كان بينه وبين آدم عشرة قرون.
وبالجُملة، فنوح عليه السلام بعثه الله لمّا عُبِدَت الأصنام والطواغيت، وشرع الناس في الضلالة والكُفر، وكان قومه يُقال لهم بنو راسب فيما ذكره ابن جبير وغيره. وقد ذكر الله قصته وما كان من قومه، وما أُنزِل بمَن كفر به من العذاب بالطوفان، وكيف أنجاه الله وأصحاب السفينة في كتابه العزيز، وذلك في سورة الأعراف ويونس وهود والأنبياء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت والصافات.
فبعد تلك القرون الصالحة بين آدم ونوح، كان في قوم نوح رجالٌ صالحين ذُكِروا في قوله تعالى {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [سورة نوح: 23]، فلمّا هلكوا أوحى الشيطان لقومهم أن انصبوا في مجالسكم أنصابًا – وهي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها- وسمّوها بأسماء هؤلاء، فعبدوهم.
فبعث الله فيهم نوحًا بالهدى يدعوهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار، فأبى معظمهم، واستمرّ أكثرهم على الضلالة والكُفر وعبادة الأصنامِ، وبقي نوحٌ يدعوهم قريبًا من ألف سنةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خمسين عَاما﴾ [العنكبوت: 14]، ورغم هذه المُدّة الطَويلة فلم يُؤمن به إلا القَليل مِنهُم.
يَئِسَ نوحٌ من إصلاح قومه، فدعَا عليهم، فلبّى الله دعوته. قال عزّ وجلّ: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ. وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ [الصافات: 75-76].
فأمرهُ الله أن يَصنَع الفُلك، وهي السَفينَة العَظيمة التي لم يكُن لها نَظير قبلها، ولا يكُون بَعدها مِثلها، وأن يحمل فيها من كل زوجين اثنين، وأهله إلّا مَن سبق عليه القول، وهو ابنه (يام) الذي أبى ولجأ لجبلٍ ليعصمه من الماء ولكنّه غرق مع الذين أغرقهم الله بالطوفان، وأنجى الله نوح ومَن اتبعه بالسفينة من المؤمنين.
وَلَدَ نوح ثلاثة أولاد: يافث الذي قيل أنّه وَلدَ التُرك والسقالبة ويأجوج ومأجوج، وحام الذي وَلَد القِبط والسودان والبَربَر، وسام الذي ولَد العرب وفارس والروم.