قصّة هُود عليه السلام

هو هود بن عبد الله بن رَباح بن الجارود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح.

ذكر ابن جرير أنّه كان من قبيلة يُقال لهم عاد بن عوص، كانوا عربًا يسكنون الأحقاف وهي جبال من الرمل، وكانت باليمن بين عمان وحضرموت.

وكانوا كثيرًا ما يسكنون الخِيام ذوات الأعمدة الضِخام. قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 6]، والمقصود أنّ عادًا وهم عاد الأولى كانوا أول مَن عبد الأصنام بعد طوفان نوح، وكانت أصنامهم الثلاثة هي صدًّا وصمودًا وهرًّا. فبعث الله فيهم أخاهم هودًا، فدعاهم إلى الله، ولكنّهم قالوا: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [الأعراف:66] فأخذهم الله أخذ عزيزٍ مقتدرٍ.

وقد ذكر الإمام محمد بن إسحاق في هذا، أنّ قوم هود وهم عاد الأولى لمّا أبوا إلّا الكُفر بالله عز وجلّ، مُنع عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك أي أتعبهم، ثم ساق الله السحابة السوداء، فظنّوا أنّ الله مُمطرهم، ولكنها كانت عذابٌ سخّرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسومًا، فلمْ تدع من عادٍ أحدًا إلّا هلك، واعتزل هود ومَن اتبعه من المؤمنين في حظيرةٍ فلمْ تصبهم الحجارة التي دمغت قوم عاد، والله أعلم.

 

قصّة صالِح نَبيُّ ثمود عليه السلام

ثمود هي قبيلةٌ مشهورةٌ باسم جدّهم ثمود أخي جديس، وهما ابنا عابِر بن أرم بن سام بن نوح، وكانوا عربًا من العارِبة يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك. وكانوا بعد قوم عاد وكانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله فيهم رجلًا منهم؛ وهو عبد الله ورسوله صالح بن عبد بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود بن عابِر بن أرم بن سام بن نوح.

وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوما في ناديهم، فجاءهم صالح فدعاهم إلى الله تعالى، فقالوا له: "إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة- وأشاروا إلى صخرة هناك- ناقة من صفتها كيت وكيت"، وذكروا أوصافا سمّوها، فقال لهم صالح: "أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم، أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به؟". قالوا: "نعم".

فدعا صالح ربه عز وجل أن يُجيبهم إلى ما طلبوا، فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقةٍ عظيمةٍ عشراءٍ –أي مرّ على حملها عشرة أشهر- على الوجه المطلوب الذي طلبوا، فلما عاينوها كذلك رأوا أمرا عظيمًا ودليلًا قاطعًا، فآمن بعضهم، واستمر أكثرهم على كفرهم.

واتفقوا مع نبي الله صالح، أن يتركوا الناقة ترعى حيث شاءت من أرضهم، وتشرب يومًا من البئر، ويشربوا هم اليوم الذي بعده.

فلما طال عليهم الحال هذا اجتمع ملؤهم، واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ليستريحوا منها ويتوفر عليهم ماؤهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم فقتلوا الناقة التي جعلها الله حجّةً عليهم، وكان الذي تولى قتلها منهم رئيسهم قدار بن سالف بن جندع.

فلما عقروها قال لهم صالح كما قال تعالى في كتابه العزيز: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65]، فلم يصدقوه أيضا في هذا الوعد الأكيد، بل لما أمسوا هموا بقتله، فأخذهم الله أخذ عزيزٍ مقتدرٍ.

وذلك أن الله تعالى أرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتل صالح بعد الناقة حجارةً ضربتهم قبل قومهم، فلمّا أمهلهم الله ثلاثة أيام، وأنذرهم صالح بالعذاب، فلم يتوبوا ولم يرجعوا، فأرسل الله عليهم صيحةٌ من السماء من فوقهم، ورجفةٌ شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس وسكنت الحركات وخشعت الأصوات وحقّت الحقائق، فأصبحوا في دارهم جاثمين جُثثًا لا أرواح فيها.


البداية والنهاية - الجزء الأول
البداية والنهاية - الجزء الأول
أبي الفداء إسماعيل بن كثير
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00