قال ابن إسحاق في تأريخه كان أيوب رجلًا من الروم، والمشهور أنّه من ذرّية إبراهيم كما جاء قال تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ} [الأنعام: 84]، والصحيح أنّه من سلالة العيص بن إسحاق، وزوجة أيوب قيل اسمها ليا بنت يعقوب، وقيل رحمة بنت أفرائيم، والله أعلم.
قال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41].
قال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم أنّ أيوب كان رجلًا كثير المال والرزق من الأنعام والعبيد والمواشي والأراضي بأرض البُثينة من أرض حوران، وهي المنطقة ما بين سوريا والأردن حاليًا، وكان له أولاد وأهلون كُثر، فسُلِب منه ذلك جميعه، وابتُلِيَ في جسده بأنواع البلاء ولم يبقَ منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه، وكان في ذلك كله صابرًا، ذاكرًا لله في ليله ونهاره، وطال مرضه حتى أُخرِج من بلده، وأُلقِي على مَزبلةٍ خارجها، وانقطع عنه الناس إلّا زوجته التي كانت ترعى حقه وقديم إحسانه إليها، حتى ضعف حالها وقلّ مالها، فأصبحت تخدم الناس بالأجر لتطعمه وهي صابرةٌ معه، وبقي أيوب صابرًا يحمد الله، حتى دعاهُ كما ذكر عز وجل في كتابه الكريم: ﴿۞ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: 83]. فأوحى الله لأيوب أن {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42]، أي أن يضرب الأرض بقدمه، ويغتسل ويشرب من العين التي ستنبع من تحتها، ففعل أيوب ما أمره الله به، فأذهب الله عنه ما كان فيه من البلاء.
وقد ذكر ابن جرير وغيره من علماء التاريخ أنّ أيوب لمّا توفي كان عمره ثلاثًا وتسعين سنةً. وقيل أنّه عاش أكثر من ذلك.
قال الله تعالى في كتابه بسورة [الأنبياء: ٨٥-٨٦] بعد قصّة أيوب: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ ، وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ}، فالظاهر من ذِكره في القرآن بالثناء عليه مقرونًا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنّه نبيٌّ وهذا هو المشهور. وقد روى ابن جرير عن مجاهد أنّ ذا الكفل لمْ يكن نبيًا؛ وإنّما كان رجلًا صالحًا وكان قد تكفّل لبني قومه أن يكفيهم أمرهم ويقضي بينهم بالعدل فسُمّي ذا الكفل.
قال الله تعالى في سورة يس: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (١٤) قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٧) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨) قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ۚ أَئِن ذُكِّرْتُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (١٩) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ (٢١) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ (٢٨) إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (٢٩)}.
اشتهر عن كثير من السَلف أنّ هذه القرية هي أنطاكية، وكان لها ملِكًا يعبد الأصنام، فبعث الله إليه ثلاثةً من الرسل وهم صادق وصدوق وشلوم، فكذَّبهم حتى أهلكه الله وقومه. فيما قاله المفسّرون بأنّ الله قد بعث جبريل عليه السلام فأخذ بالباب الذي لبلدهم، ثم صاح بهم صيحةً واحدةً فإذا هم خامدون، أي قد أُخمِدت أصواتهم وسكنت حركاتهم ولمْ يبقَ منهم عين تطرف.
قال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]. قال أهل التفسير: بعث الله يونس عليه السلام إلى أهل نينوى من أرض الموصل بالعراق، فدعاهم إلى الله عز وجل، فكذّبوه وتمرّدوا عليه في كفرٍ وعناد، فلما طال عليه من أمرهم، خرج من بين أظهرهم، ووعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث.
وعن بعض السلف، أنّه لما خرج يونس من عند قومه وتحقّقوا العذاب الذي حذّرهم منه، قذف الله في قلوبهم التوبة وندموا على ما فعلوا، فتضرّعوا لله عز وجل فكشف برحمته العذاب عنهم كما في قوله تعالى: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَٰهُمْ إِلَىٰ حِينٍۢ} [يونس: 98] والله أعلم.
واختلف أهل التفسير هل كان إرسال يونس لقومه بعد أن ابتلعه الحوت أم قبلها أم أنّه بُعِث لقومين؟ والمقصود والمشهور أنّه عليه السلام لما ذهب مُغاضِبًا بسبب قومه، ركب سفينةً في البحر فلجّت بهم واضطربت وكادت تغرق بهم، وتشاوروا فيما بينهم أن يقترعوا ومَن يقع عليه القرعة يلقوه من السفينة، ووقعت القرعة على نبيّ الله يونس فأُلقي في البحر، وبعث الله عز وجل حوتًا عظيمًا من البحر الأخضر وهو بحر الخليج العربي، فالتقمه وأمره الله تعالى أن لا يأكل له لحمًا ولا يُهشّم له عظمًا، فأخذه الحوت وطاف به البحار كلها. ولمّا استقرّ يونس في جوف الحوت، حسب أنّه قد مات فحرّك جوارحه فتحرّكت، فإذا هو حَيٌّ، فخرّ لله ساجدًا.
اختلف المفسّرون في مقدار لبث يونس في بطن الحوت، فقال مجاهد عن الشعبيّ: التقمه ضحى ولفظه عشيةً، وقال قتادة: مكث فيه ثلاثًا، وقال جعفر الصادق: سبعة أيامٍ، وقال سعيد بن أبي الحسن وأبو مالك: مكث في جوفه أربعين يومًا، والله أعلم كم مقدار ما لبث فيه.
ولما لبث يونس في بطن الحوت {فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]، فأنجاه الله من بطن الحوت ليلفظه مجددًا سالمًا من قوله {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِين} [الأنبياء: 88].