كان أهل مَديَن قومًا عَربًا يسكنون مدينتهم التي هي قريةٌ من أرض معان، وهي قريةٌ تُسمى البدع قريبة من منطقة تبوك حاليًا. ومَدين قبيلةٌ وهم من بَني مَدين بن مديان بن إبراهيم الخليل وشُعيب نبيّهم. ويُقال له بالسِريانية بنزون. ويُقال جدّته ويُقال أمه هي بنت لوط، وكان ممَن آمن بإبراهيم وهاجر معه ودخل معه دمشق. وكان بعض السَلف يُسمّي شُعيبًا خطيب الأنبياء لفصاحته وعلوّ عبارته وبلاغته في دِعاية قومه إلى الإيمان برسالته.
كان أهل مَدين كفارًا يقطعون السبيل ويُخيفون المارّة، ويعبدون (الأيكة) وهي الشَّجر الكثير الملتفّ، وكانوا من أسوأ الناس معاملةً، يبخسون في المكيال والميزان ويطفّفون فيها، ويأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص.
فبعث الله فيهم رجلًا منهم وهو رسول الله شعيب، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فآمن به بعضهم وكفر أكثرهم، حتى أحلّ الله بهم البأس الشديد؛ وجمع عليهم أنواعًا من العقوبات. وجاء ذلك في سورة الأعراف بأن أخذتهم الرَجفة، أي رجفت بهم أرضهم، وزُلزِلت زلزالًا شديدًا أزهقت أرواحهم من أجسادها، وصيرت حيوانات أرضهم كجمادها، وأصبحت جُثثهم جاثيةً لا أرواح فيها ولا حركات بها ولا حواس لها.
يقول تعالى في كتابه العزيز: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ، وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ ۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات 112-113]، ويقول أهل الكتاب أنّ إسحاق قد وُلِد وعُمر أمه سارة تسعين سنةً، وقيل أنّ إسحاق لمّا تزوّج "رفقة بنت بتوئيل" في حياة أبيه الخليل كان عمره أربعين سنةً، وأنّها كانت عاقرًا، فدعا الله لها فحملت، فولدت غلامين توأمين، أولهما سمّوه "عيصو" وهو الذي تسمّيه العرب "العيص" وهو والد الروم، والثاني خرج وهو آخِذٌ بعُقب أخيه فسمّوه يعقوب وهو نبيّ الله إسرائيل الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل.
وعن يعقوب عليه السلام، يذكر ابن كثير أنّه سافر إلى خاله "لابان" بأرض حران (جنوب شرقي تركيا حاليًا)، فنام على حجرٍ في الطريق، ورأى في نومه معراجًا منصوبًا من السماء إلى الأرض، وإذا الملائكة يصعدون فيه وينزلون، والربّ تبارك وتعالى يخاطبه ويقول له: "إنّي سأبارك عليك وأُكثِر ذرّيتك". فلمّا استيقظ فرح ونذر لئن رجع لأهله سالمًا سيبني معبدًا لله عز وجل، وسُمّي ذلك الموضع بيت إيل أي بيت الله، وهو موضع بيت المقدس اليوم.
تزوّج يعقوب، ورزقه الله ذرّيةّ واسعةً من أحد عشر ابنًا. وقيل عاد يعقوب إلى أبيه إسحاق فأقام عنده حيث كان يسكن إبراهيم، ثم مرض إسحاق ومات عن مائةٍ وثمانين سنةً، ودفنه ابناه العيص ويعقوب مع أبيه إبراهيم في المغارة التي اشتراها.
ذكر الله تعالى في القرآن أنّ يوسف بن يعقوب حينما كان صغيرًا، رأى في منامه كأنّ أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر، قد سجْدوا له، فقصّ ذلك على أبيه الذي عرف أنّه سينال منزلة عظيمة في الدنيا والآخرة، فأمَر يوسف بألا يُخبر إخوته بما رأى حتى لا يكيدوا له حسدًا عليه.
ثم ذكر الله تعالى في سورة يوسف، حَسَدُ إخوة يوسف له على محبة أبيه له ولأخيه بنيامين أكثر منهم، وهم عُصبة أي جماعة، وتشاورهم على قتله، واجتماعهم على إلقائه في بئرٍ عميق، فربما يلتقطه بعض المارّة من المُسافرين. فلمّا ألقوا يوسف في البئر، أخذوا قميصهُ ولطخّوه بدمٍ لولد شاة، وذهبوا به إلى يعقوب وهم يبكون.
وأرسل الله ليوسف وهو في البئر، مُسافرين أرادوا أن يسْتَقوا من البئر، فتعلّق يوسف بالدَلْو الذي أدْلاهُ أحدهم، فلما رآه ذلك الرجل قال يا بِشارتي، وهمّوا بأن يأخذوه معهم، ولكن إخوة يوسف لحقوهم، وقالوا هذا غُلامنا، فاشتروه المُسافرون منهم بثمنٍ بخسٍ أي قليلٍ، وذهبوا به إلى مصر.
وكان الذي اشتراه من أهل مصر عزيزها، وهو الوزير المسئول عن خزينة الدولة، وقال ابن إسحاق أنّ اسمه إطفير بن روحيب، واسم امرأة العزيز راعيل بنت رعاييل، وقال غيره كان اسمها زليخا والظاهر أنه لقبها.
نشأ يوسف في بيت العزيز حتى (بَلغَ أَشُدّه) [يوسف: 22] كما قال تعالى، وحينها راودتهُ امرأة العزيز عن نفسهِ، إلا أنّ يُوسف كان نبيًا من سُلالة الأنبياء، عَصَمَهُ الله عن الفحْشاء، فرفض دعوة امرأة العزيز إلى الفاحشة، فلمّا استعصم سُجِن وبقي في السجن بضع سنين، حتى خرج بعد تأويله لرؤية مَلِك مصر آنذاك بشكلٍ صحيحٍ، والتي عجز الكثيرون عن تفسيرها.
تولى سيدنا يوسف عليه السلام خزائن مصر، والتقى بإخوته الذين جاءوا إلى مصر ولم يتعرفّوا عليه، واستبقى لديه أخيه بنيامين، فعاد إخوة يوسف وهم شاعرين بالخزي إلى يعقوب، الذي ابيضّت عيناه حزنًا على كل من يوسف وبنيامين. فعاد إخوة يوسف إلى مصر كي يستردوا بنيامين، حينها قال لهم يوسف: {هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} [يوسف:89]، فحينها عرفوا أنّه يوسف، وطلب منهم يوسف بعدها أن يأخذوا قميصهُ من على جسده، فيضعوه على عيني أبيه، ورجع الإخوة إلى أبيهم وفعلوا مثلما طلب يوسف منهم، فارتدّ بَصَر يعقوب إليه فرحًا بنجاة يوسف.