يقدّمُ المؤلِّفُ رسالةً في مناسكِ الحجِّ والعُمرةِ في الإسلامِ، ويوضِّحُ فيها كلَّ ما يحتاجُه الحاجُّ والمعتمرُ، والزائرُ لمسجدِ رسولِ اللهِ ﷺ، من حينِ خروجِه من بيتِه إلى أن يرجعَ إلى أهلِه، وقد قرنها المؤلِّفُ بالأدلّةِ من الكتابِ والسنّةِ والإجماعِ، وقسّم المؤلّفُ الكتابَ إلى عدّةِ مباحثَ نذكرُ منها ما يلي:
أوَّلًا: مفهومُ المناسكِ لغةً، واصطلاحًا:
المناسكُ لغةً: قال ابنُ الأثيرِ رحمه اللَّهُ: فالمناسكُ جمعُ مَنْسَكٍ - بفتحِ السينِ وكسرِها، وهو المتعبَّدُ، ويقعُ على المصدرِ، والزمانِ، والمكانِ، ثمَّ سُمِّيَتْ أمورُ الحَجِّ كلُّها مناسكَ، والمَنْسَكُ: المذبَحُ، وقد نَسَكَ ينْسُكُ نَسْكًا، إذا ذبح، والنَّسيكةُ: الذبيحةُ، وجمعُها: نُسُكٌ، والنُسُكُ أيضًا الطاعةُ والعبادةُ، والناسكُ هو العابدُ، ومناسكُ الحجِّ هي عباداتُه، وقيل مواضعُ العباداتِ، أمّا المناسكُ اصطلاحًا: فهي العباداتُ التي تُفعلُ في الحَجِّ أو العُمرةِ عادةً.
ثانيًا: مفهومُ الحَجِّ لغةً، واصطلاحًا:
الحَجّ لغةً: القصدُ إلى كلِّ شيءٍ، فخصَّه الشرعُ بقصدٍ معيّنٍ ذي شروطٍ معلومةٍ، وقيل: الحَجُّ لغةً: القصدُ إلى الشيءِ المعظَّمِ، ويُقالُ: الحجُّ: القصدُ، ثمَّ غلب في الاستعمالِ الشرعيِّ والعُرفيِّ على حَجِّ بيتِ اللَّهِ تعالى وإتيانِه، والحجُّ شرعًا: القصدُ لبيتِ اللَّهِ تعالى بصفةٍ مخصوصةٍ، في وقتٍ مخصوصٍ، بشرائطَ مخصوصةٍ.
ثالثًا: مفهومُ العُمرةِ لغةً، واصطلاحًا:
العُمرةُ والاعتمارُ لغةً: الزيارةُ التي فيها عمارةُ الوُدِّ، وقيل: العُمرةُ: الزيارةُ، والمعتمِرُ: الزائرُ، والقاصدُ للشيءِ، والعُمرةُ شرعًا: زيارةُ البيتِ الحرامِ بشروطٍ مخصوصةٍ مذكورةٍ في الفقهِ، وللعمرةِ تعريفاتٌ كثيرةٌ يمكنُ جمعُها في تعريفٍ واحدٍ وهو: التعبُّدُ للهِ تعالى بزيارةِ بيتِ اللَّهِ الحرامِ، بإحرامٍ، وطوافٍ، وسعيٍ بين الصفا والمروةِ، وحلقٍ أو تقصيرٍ، ثمَّ تحلُّلٍ.
فضائلُ الحَجِّ والعُمرةِ كثيرةٌ، منها الفضائلُ الآتيةُ:
أوَّلًا: مَن حجَّ البيتَ الحرامَ، أوِ اعتمر فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ رجع كيومِ ولدته أمُّه؛ لحديثِ أبي هريرةَ - رضيَ اللهُ عنه - قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: "مَن حجَّ هذا البيتَ فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ، رجع كما ولدته أمُّه"، (فلا رفَثَ): أي مَن أحرمَ بالحجِّ أو العُمرةِ فليجتنبِ الرفَثَ، وهو الجماعُ، أمّا (لم يفسُقْ): فأصلُ الفسوقِ الخروجُ عنِ الاستقامةِ، والجَورُ، وبه سُمِّيَ العاصي فاسقًا.
ثانيًا: العُمرةُ إلى العُمرةِ كفّارةٌ لما بينَهما، والحَجُّ المبرورُ جزاؤه الجنةُ؛ لحديثِ أبي هريرةَ - رضيَ اللهُ عنه - أن رسولَ اللهِ ﷺ قال: "العُمرةُ إلى العُمرةِ كفارةٌ لما بينَهما، والحَجّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنّةُ"، والحَجُّ المبرورُ هو الذي لا رياءَ فيه، ولا سمعةَ، ولم يخالطْه إثمٌ ولا يَعقُبُه معصيةٌ.
ثالثًا: الحَجُّ والعُمرةُ ينفيانِ الفقرَ والذنوبَ، وأفضلُ الجهادِ وأجملُه الحَجُّ المبرورُ.
رابعًا: الحَجُّ والعُمرةُ جهادُ الكبيرِ، والصغيرِ، والضعيفِ، والمرأةِ؛ لحديثِ أبي هريرةَ - رضيَ اللهُ عنه - عن رسولِ اللهِ ﷺ قال: "جهادُ الكبيرِ، والصغيرِ، والضعيفِ، والمرأةِ: الحَجُّ والعُمرةُ.
خامسًا: الحَجُّ يقعُ معظمُه في أفضلِ أيامِ الدنيا: وهي عشرُ ذي الحجّةِ؛ لحديثِ جابرٍ - رضيَ اللهُ عنه -، أن رسولَ اللهِ ﷺ قال: "أفضلُ أيامِ الدنيا أيامُ العشرِ"، يعني عشرَ ذي الحجّةِ.
النفعُ: ضدُّ الضَّرِّ، والنفعُ: الخيرُ: وهو ما يتوصَّلُ به الإنسانُ إلى مطلوبِه، ومنافعُ الحَجِّ، وفوائدُه، ومقاصدُه، والحكمةُ من مشروعيّتِه كثيرةٌ، لا تُحصَرُ ولا تُعَدُّ، ولكنْ نذكرُ منها على وجهِ الاختصارِ ما يلي:
أوَّلًا: تعظيمُ شعائرِ اللَّهِ وحرماتِه، فمِن أعظمِ المنافعِ للحَجِّ تعظيمُ شعائرِ اللَّهِ تعالى وحرماتِه، وهذه المنفعةُ من أعظمِ العباداتِ للهِ تعالى؛ قال اللَّهُ تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[الحجّ:32]، وشعائرُ الحجِّ: آثارُه، وعلاماتُه، وهي جمعُ شعيرةٍ، وقيل: هي كلُّ ما كان من أعمالِه: كالوقوفِ، والطوافِ، والسعيِ، والرميِ، والذَّبحِ، وغيرِ ذلك، وقيل: شعائرُ اللَّهِ معناها: مناسكُ الحجِّ، وقال ابنُ كثيرٍ رحمه اللَّهُ: ومَن يعظِّمُ شعائرَ اللَّهِ: أي أوامرَه، ومِن تعظيمِ شعائرِ اللَّهِ تعالى الاقتداءُ بالنبيِّ ﷺ في جميعِ مناسكِ الحَجِّ.
ثانيًا: دخولُ الجنةِ والنجاةُ من النارِ من أعظمِ منافعِ الحَجِّ؛ لقولِه ﷺ: "العُمرةُ إلى العُمرةِ كفارةٌ لما بينَهما، والحَجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنّةُ".
ثالثًا: السلامةُ من الفقرِ، لِمن تابع بينَ الحَجِّ والعُمرةِ؛ لقولِ النبيِّ ﷺ: "تابعوا بينَ الحَجِّ والعُمرةِ، فإنهما ينفيانِ الفقرَ والذنوبَ ."
رابعًا: إظهارُ التذلُّلِ إلى اللهِ تعالى، والتّحقُّقُ بالخضوعِ له سبحانه؛ وذلك لأن الحاجَّ والمعتمِرَ يرفضُ أسبابَ الترفِ، ويتركُ التزيُّنَ والتطيُّبَ، ويلبَسُ ثيابَ الإحرامِ مُظهِرًا فقرَه إلى ربِّه، متجرِّدًا عن كلِّ ما يَشغَلُه ويَصرِفُه عن مولاه.
خامسًا: وهو أعظمُ المنافعِ وأجلُّ المقاصدِ، وهو تحقيقُ التوحيدِ ونبذُ الشركِ؛ فعن أبي هريرةَ - رضيَ اللهُ عنه -قال: كان من تلبيةِ النبيِّ ﷺ: "لبَّيْك إلهَ الحقِّ"، ولفظُ ابنِ ماجه: أن رسولَ اللهِ ﷺ قال في تلبيتِه: "لبَّيْك إلهَ الحقِّ لبيكَ"، وقدِ اشتملت تلبيةُ النبيِّ ﷺ على إثباتِ التوحيدِ، والبراءةِ مِن الشركِ.
أوَّلًا: حكم الحجّ في الإسلامِ: الأصلُ في وجوبِ الحَجِّ الكتابُ، والسنّةُ، والإجماعُ، أمّا الكتابُ ؛ فقولُ اللَّهِ تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران:97]، وأمّا السنّةُ؛ فالأحاديثُ كثيرةٌ، منها حديثُ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: "بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللَّهُ وأنَّ محمّدًا رسولُ اللهِ ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وصومِ رمضانَ، وحَجِّ البيتِ" متفقٌ عليه.
ثانيًا: منزلةُ الحَجّ في الإسلامِ: الحَجُّ أحدُ الأركانِ والدعائمِ العظامِ التي يقومُ عليها الإسلامُ، فمَن تركه بعدَ الاستطاعةِ متعمِّدًا بدونِ عذرٍ فقد ترك ركنًا عظيمًا مِن أركانِ الإسلامِ، فلا يتمُّ إسلامُه إلا بأداءِ هذه الفريضةِ العظيمةِ؛ فهو الركنُ الخامسُ مِن أركانِ الإسلامِ.
العُمرةُ لغةً: الزيارةُ، وشرعًا: زيارةُ البيتِ العتيقِ على وجهٍ مخصوصٍ، بإحرامٍ، وطوافٍ وسعيٍ، وحلقٍ أو تقصيرٍ، ثمَّ تحلُّلٍ. والصحيحُ أن العُمرةَ تجِبُ على مَن يجِبُ عليه الحَجُّ؛ للأحاديثِ الثابتةِ في ذلك ونذكرُ منها: حديثَ أبي رَزِينٍ أنه قال: "يا رسولَ اللهِ! إن أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيعُ الحَجَّ، ولا العُمرةَ، ولا الظعنَ. قال: حُجَّ عن أبيك واعتمرْ"، رواه أبو داود.