المبحثُ العاشرُ: الإحرامُ

 مفهومُ الإحرامِ لغةً وشرعًا: الإحرامُ لغةً: مصدرُ أحرم الرجلُ يُحرِمُ إحرامًا: إذا أهلَّ بالحَجِّ أو العُمرةِ، وباشر أسبابَهما، وشروطَهما، والإحرامُ شرعًا هو نيّةُ الدخولِ في النُّسُكِ من حَجٍّ أو عمرةٍ.

أعمالُ مُريدِ العُمرةِ أو الحَجِّ عندَ الميقاتِ: إذا وصل مريدُ العُمرةِ أو الحجِّ إلى الميقاتِ شُرِعَ له أن يعملَ الآتيَ:

١ - يُستحبُّ له أن يُقَلِّمَ أظفارَه، ويقُصَّ شاربَه، وينتِفَ إبْطَيهِ، ويَحلِقَ شعرَ عانتِه؛ لحديثِ أبي هريرةَ - رضيَ اللهُ عنه - أنه قال:  سمعتُ النبيَّ ﷺ يقولُ: "الفطرةُ خمسٌ: الختانُ، والاستحدادُ، وتقليمُ الأظفارِ، ونتفُ الإبْطِ، وقصُّ الشاربِ"، متفقٌ عليه.

٢ - أن يتجرّدَ مِن ثيابِه، ويستحبُّ له أن يغتسلَ؛ لحديثِ زيدِ بنِ ثابتٍ - رضيَ اللهُ عنه -، أنه رأى النبيَّ ﷺ تجرّد لإهلالِه واغتسل"، رواه مسلمٌ.

 3-  يُستحبُّ له أن يتطيّبَ بأطيبِ ما يجدُ من دهنِ عودٍ أو غيرِه في رأسِه ولحيتِه، ولا يضرُّه بقاءُ الطيبِ بعدَ الإحرامِ.

٤ - أن يُحرِمَ الرجلُ في رداءٍ وإزارٍ ويُستحبُّ أن يكونا أبيضَينِ نظيفَينِ، ويُحرِمُ في نعلينِ.

٥ - يُستحبُّ له أن يُحرِمَ بعدَ صلاةِ فريضةٍ - يُستثنى من ذلك الحائضُ والنفساءُ - إن كان في وقتِ فريضةٍ، فإن لم يكن وقتَ فريضةٍ صلّى ركعتين ينوي بهما سنّةَ الوضوءِ.

٦ - ثم بعدَ الفراغِ من الصلاةِ ينوي بقلبِه الدخولَ في النُّسُكِ الذي يريدُه مِن حَجٍّ أو عمرةٍ؛ لقولِ النبيِّ ﷺ:  "إنما الأعمالُ بالنيّاتِ وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى"، متفقٌ عليه.

المبحثُ الحادي عشرَ: صفةُ حَجِّ النبيِّ ﷺ بإيجازٍ

مَكثَ رسولُ اللهِ ﷺ تِسْعَ سِنِينَ لم يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ في الناسِ في العَاشِرَةِ؛ أَنَّ رسولَ اللهِ ﷺ حَاجٌّ، فخَرَجَ معه كثيرٌ من المسلمينَ، حتى أَتَوا إلى ذَي الحُلَيْفَةِ، ثم أهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ؛ أي قولِه: لبيك لا شريكَ لك، حتى إذا أَتَوا البَيْتَ معه اسْتَلَمَ الرُّكْنَ؛ أيِ الحَجَرَ الأسودَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا؛ والرملُ هو إسراعُ المشيِ مع تقارّبِ الخُطى، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إلى مَقَامِ إبراهيمَ عليه السلامُ - فَقَرَأَ:  ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: 125]، ثُمَّ رَجَعَ إلى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ من البَابِ؛ أي مِن بابِ بني مخزومٍ، وهو الذي يُسمّى بابَ الصفا، إلى الصَّفَا ثُمَّ دَعَا ثمَّ نَزَلَ إلى المَرْوَةِ حتى إذا كان آخِرُ طَوَافِهِ على المَرْوَةِ قال: "لو أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ من أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ لم أَسُقِ الهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كان مِنْكُمْ ليس معه هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً"، فلمّا كان يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالحَجِّ، وَرَكِبَ رسولُ اللهِ ﷺ فَصَلَّى بها الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ وَالفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حتى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، ثم أتى عرفةَ فَوَجَدَ القُبَّةَ قد ضُرِبَتْ له بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بها حتى إذا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالقَصْوَاءِ (وهي ناقتُه ﷺ) فَرُحِلَتْ، فَأَتَى بَطْنَ الوَادِي فَخَطَبَ الناسَ وقال: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا.." إلى آخِرِ الخُطبةِ، ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى، حتى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثمَّ أتى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بها المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ رسول اللهِ ﷺ حتى طَلَعَ الفَجْرُ، ثمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ حتى أتى المَشْعَرَ الحَرَامَ، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الوُسْطَى التي تَخْرُجُ على الجَمْرَةِ الْكُبْرَى  فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مع كلِّ حَصَاةٍ منها،  ثُمَّ انْصَرَفَ إلى المَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بيدِه، ثمَّ رَكِبَ رسولُ اللهِ ﷺ فَأَفَاضَ إلى البَيْتِ، ثمَّ صَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ.

المبحثُ الثاني عشرَ: صفةُ الأَنساكِ الثلاثةِ

أوَّلًا مفهومُ وصفةُ الأنساكِ الثلاثةِ: مَن وصل إلى الميقاتِ في أشهرِ الحَجِّ، وهي:  شوّالٌ، وذو القعدةِ، والعشرُ الأُوَلُ من ذي الحِجّةِ، وهو يريدُ الحَجَّ من عامِه، فإنه مُخيَّرٌ بينَ ثلاثةِ أنساكٍ، وهي على النحوِ الآتي:

١ - العُمرةُ وحدَها:  وهو ما يُسمّى بالتمتعِ؛ وهو أن يُحرِمَ بالعُمرةِ وحدَها من الميقاتِ في أشهُرِ الحَجِّ قائلًا عند نيّةِ الدخولِ في الإحرامِ:  (لبيك عمرةً). ويستمرُّ في التلبيةِ، فإذا وصل مكةَ وبدأ الطوافَ قطعَها، فإذا طاف بالبيتِ، وسعى بينَ الصفا والمروةِ، ثمَّ حلق أو قصّر حلَّ له كلُّ شيءٍ حُرِّمَ عليه للإحرامِ، فإذا كان اليومُ الثامنُ من ذي الحجّةِ - يومُ الترويةِ - أحرم بالحَجِّ وحدَه وأتى بجميعِ أعمالِه.

٢ - الجمعُ بينَ العُمرةِ والحَجِّ وهو ما يُسمّى بالقِرانِ وهو أن يُحرِمَ بالعُمرةِ والحَجِّ جميعًا في أشهُرِ الحَجِّ من الميقاتِ قائلًا: لبيك عمرةً وحَجًّا، أو أن يُحرِمَ بالعُمرةِ من الميقاتِ ثمَّ في أثناءِ الطريقِ يُدخِلُ الحجَّ عليها ويلبّي بالحَجِّ قبلَ أن يشرَعَ في الطوافِ، فإذا وصل مكةَ طاف طوافَ القُدومِ، وسعى سعيَ الحَجِّ، وإن شاء أخَّر سعيَ الحَجِّ بعدَ طوافِ الإفاضةِ، ولا يحلقُ ولا يُقصِّرُ ولا يُحِلُّ من إحرامِه بل يبقى على إحرامِه حتى يُحِلَّ منه بعدَ التحلُّلِ يومَ العيدِ.

٣ - الحَجُّ وحدَه وهو ما يُسمّى بـالإفرادِ وهو أن يُحرِمَ بالحَجِّ وحدَه من الميقاتِ في أشهرِ الحَجِّ قائلًا عندَ نيّةِ الدخولِ في الإحرامِ: "لبيك حَجًّا"، وعملُ المُفرِدِ كعملِ القارنِ إلا أنَّ القارنَ عليه هديٌ - كالمتمتِّعِ. وأفضلُ الأنساكِ:  التمتُّعُ، ثمَّ القِرانُ لِمَن ساق الهديَ، ثمَّ الإفرادُ.

المبحثُ الثالثُ عشرَ: محظوراتُ الإحرامِ ومكةَ والمدينةِ وفديتُها

محظوراتُ الإحرامِ: هي ما يَحرُمُ على المُحرِمِ فعلُه بسببِ الإحرامِ وهيَ:

المحظورُ الأوّلُ: حلقُ الرأسِ، ويُلحقُ به سائرُ البدنِ، بلا عذرٍ.

المحظورُ الثاني: تقليمُ الأظافرِ من اليدينِ أو الرجلينِ بلا عذرٍ؛ لأنه إزالةُ جزءٍ من البدنِ تَحصُلُ به الرفاهيةُ.

المحظورُ الثالثُ: تعمُّدُ تغطيةِ الرأسِ للرجلِ، إلا إذا كانتِ التغطيةُ بشيءٍ غيرِ متصلٍ مثلِ الشمسيّةِ أو نحوِها.

المحظورُ الرابعُ: لُبسُ الرجلِ للمَخيطِ عمدًا في جميعِ بدنِه، أو بعضِه، كالعِمامةِ والبَرانِسِ وغيرِها.

المحظورُ الخامسُ: تعمّدُ استعمالِ الطِّيبِ بعدَ الإحرامِ في الثوبِ أو البدنِ، أو الأكلِ والشربِ؛ كالزعفرانِ في القهوةِ وغيرِها.

المحظورُ السادسُ: قتلُ صيدِ البرِّ الوحشيِّ المأكولِ، واصطيادُه.

المحظورُ السابعُ: عقدُ النكاحِ؛ فلا يتزوّجُ المُحرِمُ، ولا يُزوِّجُ غيرَه، ولا يخطُبُ.

المحظورُ الثامنُ: الوطءُ الذي يوجبُ الغسلَ، فمَن حصل منه الجماعُ متعمِّدًا قبلَ التحلُّلِ الأوَّلِ فسد نُسكُه.

المحظورُ التاسعُ: المباشَرةُ دونَ الفرجِ بوطءٍ في غيرِه، ولو بتقبيلٍ أو لمسٍ أو نظرٍ بشهوةٍ.

أمّا محظورُ الحرمَينِ؛ مكةَ والمدينةِ: فالأوّلُ: تحريمُ صيدِ الحرمِ المكيِّ، وشجرِه ونباتِه، وحشيشِه إلا الإذخِرَ، وذلك بالإجماعِ، والثاني: تحريمُ صيدِ الحرمِ المدنيِّ النبويِّ، وشجرِه على المُحرِمِ إلا علفَ الدوابِّ، وهناك عدّةُ أحاديثَ دالّةٍ على ذلك ومنها حديثُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ ﷺ: "المدينةُ حرامٌ ما بينَ عَيْرٍ إلى ثورٍ".

أمّا فديةُ المحظوراتِ فلها ثلاثُ حالاتٍ: الأولى: أن يفعلَ المحظورَ بلا عذرٍ، فهذا آثمٌ وعليه الفديةُ، والثانيةُ: أن يفعلَ المحظورَ لحاجتِه إلى ذلك، وذلك مثلُ أن يحتاجَ للُبسِ قميصٍ لدفعِ البردِ، فله حينئذٍ فعلُ المحظورِ، وعليه فديةٌ، والثالثةُ: أن يفعلَ المحظورَ وهو معذورٌ، جاهلًا كان أو ناسيًا أو مكرهًا، فهذا لا إثمَ عليه، أمّا الفديةُ فمحلُّ خلافٍ بينَ أهلِ العلمِ، والأقربُ أنه لا شيءَ عليه لقولِه ﷺ: "إن اللهَ تجاوز لي عن أمتي الخطأَ والنسيانَ، وما استُكرِهوا عليه"، رواه ابنُ ماجه والبيهقيُّ.

المبحثُ الرابعُ عشرَ: ما يباحُ للمُحرِمِ

١ - يجوزُ للمُحرِمِ وغيرِ المُحرِمِ أن يقتلَ الفواسقَ المؤذيةَ في الحِلِّ والحَرمِ.

٢ - إذا لم يجدِ المُحرِمُ إزارًا جاز له لُبسُ السراويلِ، وإذا لم يجدْ نعلينِ جاز له لُبسُ الخفَّينِ.

٣ - لا حرجَ على المُحرِمِ في لُبسِ الخِفافِ التي ساقُها أسفلُ من الكعبينِ؛ لكونِها من جنسِ النعلين.

٤ - لا حرج على المُحرِمِ أن يغتسلَ للتبرُّدِ، ويَغسِلَ رأسَه ويَحكَّه برفقٍ وسهولةٍ إذا احتاج إلى ذلك.

٥ - للمُحرِمِ أن يغسلَ ثيابَه التي أحرم فيها من وسخٍ ونحوِه، ويجوزُ له إبدالُها بغيرِها إذا كانتِ الثيابُ الثانيةُ ممّا يجوزُ للمُحرِمِ لُبسُه.

٦ - لا بأسَ بوضعِ النظّارةِ الشمسيّةِ أوِ الطبيَّةِ على العينَينِ، أو ربطِ الساعةِ على المِعصَمِ أو لُبسِها، وكذلك لا بأسَ بالحجامةِ إذا احتاج إليها المُحرِمُ، وأيضًا لا بأسَ بالاستظلالِ بالمِظلّةِ أوِ الشمسيّةِ ونحوِها.

7- يباحُ للمرأةِ مِن المَخيطِ ما شاءت مِن الثيابِ وغيرِها مِن كلِّ ما أباحه اللَّهُ لها، إلا أنها لا تَلبَسُ النقابَ ولا البرقعَ ولا القفّازَينِ، وإذا احتاجت إلى أن تضعَ خمارَها على وجهِها فلا حرجَ عليها.


مناسك الحج والعمرة في الإسلام
مناسك الحج والعمرة في الإسلام
سعيد بن وهف القحطاني
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00