المبحثُ العشرونَ: الوقوفُ بعرفةَ والمَبيتُ بالمزدلفةِ والفَوتُ

الوقوفُ بعرفاتٍ: إذا وصل الحاجُّ إلى عرفةَ استُحِبَّ له أن ينزلَ بنمرةَ (وهي موضعٌ بجنبِ عرفاتٍ، وليست من عرفاتٍ) إلى الزوالِ إن تيسّر له ذلك، وإذا زالتِ الشمسُ سُنَّ للإمامِ أو نائبِه أن يخطُبَ خُطبةً يأمرُهم فيها بتقوى اللَّهِ وتوحيدِه، والإخلاصِ له، وبعدَ الخُطبةِ يُصلُّون الظهرَ والعصرَ قصرًا وجمعًا في وقتِ الأُولى بأذانٍ واحدٍ وإقامتَين، ثم ينزلُ إلى الموقِفِ بعرفةَ إن لم يكن بها، وعليه أن يتأكدِ من حدودِها ثم يكونَ داخلَها، والأفضلُ أن يجعلَ جبلَ الرحمةِ بينَه وبينَ القبلةِ إن تيسّر له ذلك، ويُستحبُّ الإكثارُ من الذكرِ والدعاءِ، وهناك الكثيرُ من الأدعيةِ الجامعةِ النافعةِ بإذنِ اللهِ تعالى في القرآنِ الكريمِ يُستحبُّ الإكثارُ منها أثناءَ الوقوفِ بعرفاتٍ وفي كلِّ مواطنِ الدعاءِ ومنها: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201]،  فإذا غربتِ الشمسُ انصرف الحجّاجُ إلى مزدلِفةَ بسكينةٍ، وأكثروا من التلبيةِ، و إذا طلع الفجرُ من يومِ النحرِ ولم يقفِ الحاجُّ بعرفةَ، فقد فاته الحجُّ، ويُفضّلُ أن يكونَ الحاجُّ يومَ عرفةَ مُفطِرًا اقتداءً بالنبيِّ ﷺ.

 المَبيتُ بمزدلفةَ: إذا وصل الحاجُّ مزدلفةَ صلّى بها المغربَ ثلاثَ ركعاتٍ والعشاءَ ركعتين، جمعًا بأذانٍ واحدٍ وإقامتَين، ويَبيتُ الحاجُّ في هذه الليلةِ بمزدلفةَ، وإذا تبيَّن الفجرُ الثاني صلَّى الفجرَ مبكِّرًا، ثم يقفُ عندَ المشعرِ الحرامِ ويستقبلُ القبلةَ، ويدعو اللَّهَ ويذكرَه، ثم يذهبُ إلى منًى قبلَ طلوعِ الشمسِ ويكثرُ من التلبيةِ في سيرهِ، ويجوزُ للضعفاءِ والنساءِ ونحوِهم أن ينزلوا من مزدلفةَ إلى منًى بعدَ منتصَفِ الليلِ.

أحكامُ الفَوتِ: إذا طلع الفجرُ من يومِ النحرِ ولم يقفِ الحاجُّ بعرفةَ، فقد فاته الحَجُّ، فإذا كان قدِ اشترط في ابتداءِ إحرامِه فقال: "فإن حبسني حابسٌ فمَحَلّي حيثُ حبستني" تحلّل من إحرامِه، ولا شيءَ عليه، وإن لم يكنِ اشترط وقد فاتَه الوقوفُ بعرفةَ؛ فإنه يتحلّلُ بعملِ عمرةَ، وإذا كان معه هديٌ ذبحه، ثم هو يحجُّ عامًا قابلًا ويُهدي.

المبحثُ الحادي والعشرون: أعمالُ الحاجِّ يومَ النحرِ

إذا وصل الحاجُّ إلى منًى يومَ النحرِ فالأفضلُ أن يرتِّبَ هذه الأعمالَ الأربعةَ:

١ - يقطعُ التلبيةَ عندَ جمرةِ العقبةِ، ثم يرميها بسبعِ حصياتٍ متعاقباتٍ، يرفعُ يدَه معَ كلِّ حصاةٍ، ويُكبِّرُ معَ كلِّ حصاةٍ.

 2-  إذا فرَغ الحاجُّ من رميِ جمرةِ العقبةِ نحر هديَه أو ذبحَه، وهو شاةٌ، أو سُبُعُ بدنةٍ، أو سُبُعُ بقرةٍ، وهو واجبٌ على المتمتّعِ والقارنِ، ويمتدُّ وقتُ الذبحِ على الصحيحِ إلى غروبِ شمسِ اليومِ الثالثِ عشرِ من ذي الحجّةِ، وهو اليومُ الثالثُ من أيامِ التشريقِ.

3- إذا فرَغ الحاجُّ من ذبحِ هديِه أو نحرِه لمن كان له هديٌ حلق رأسَه أو قصّره، والحلقُ أفضلُ للرجلِ، أمّا المرأةُ فليس عليها إلا التقصيرُ؛ تأخذُ من كلِّ قرنٍ قدرَ الأُنمُلةِ أو أقلَّ، وبعدَ رميِ جمرةِ العقبةِ والحلقِ أو التقصيرِ يباحُ للمُحرِمِ كلُّ شيءٍ حُرِّمَ عليه بالإحرامِ إلا النساءَ ويُسمَّى هذا التحلُّلُ الأوّلَ.

٤ - يتوجّهُ الحاجُّ بعدَ الأعمالِ السابقةِ إلى مكةَ؛ ليطوفَ بالبيتِ، ويُسمَّى هذا الطوافُ طوافَ الإفاضةِ، وطوافَ الزيارةِ، وهو ركنٌ من أركانِ الحَجِّ، ثم بعدَ الطوافِ وصلاةِ ركعتَينِ يسعى بينَ الصفا والمروةِ إن كان متمتِّعًا؛ لأن سعيَه الأوّلَ لعمرتِه، وهذا سعيُ الحَجِّ، أمّا القارنُ والمُفرِدُ فليس عليه إلا سعيٌ واحدٌ؛ فإن كان قد سعاه بعدَ طوافِ القدومِ كفاه ذلك عن السعيِ بعدَ طوافِ الإفاضةِ، وإلا سعى بعدَ طوافِ الإفاضةِ.

أمّا الأعمالُ التي يحصلُ بها التحلُّلُ الثاني فهي ثلاثةُ أعمالٍ:  رميُ جمرةِ العقبةِ، والحلقُ أوِ التقصيرُ، وطوافُ الإفاضةِ مع السعيِ بعدَه لمن كان عليه سعيٌّ، فإذا فعل هذه الثلاثةَ حلَّ له كلُّ شيءٍ حُرِّم عليه بالإحرامِ حتى النساء.

المبحثُ الثاني والعشرون: المَبيتُ بمنًى لياليَ أيّامِ التشريقِ، ورميُ الجمارِ

أعمالُ الحَجِّ أيامَ التشريقِ يرجعُ الحاجُّ بعدَ طوافِ الإفاضةِ والسعيِ ممّن عليه سعيٌ إلى منًى، فيبيتُ بها ليلةَ الحادي عشرَ، والثاني عشرَ، وهذا المَبيتُ واجبٌ من واجباتِ الحَجِّ، ثم يكونُ رميُ الجمراتِ الثلاثِ في اليومين بعدَ زوالِ الشمسِ، وهذا الرميُ واجبٌ من واجباتِ الحجِّ أيضًا.

رميُ الجمارِ: الرميُ أيّامَ التشريقِ واجبٌ من واجباتِ الحَجِّ، ويجبُ فيه الترتيبُ على النحوِ التالي:

يبدأُ بالجمرةِ الأولى ثم الجمرةِ الوسطى، فيرمي بسبعِ حصياتٍ متعاقباتٍ، يرفعُ يدَه بالرميِ مع كلِّ حصاةٍ، ويكبّرُ على إثرِ كلِّ حصاةٍ، ولا بُدَّ أن يقعَ الحصى في الحوضِ، فإن لم يقعْ في الحوضِ لم يَجزِ، ثم يستقبلُ القبلةَ ويرفعُ يديَه ويدعو طويلًا، أمّا في جمرةِ العقبةِ فيفعلُ مثلَ ما فعل في الجمرةِ الأولى والثانيةِ ولكنْ ينصرفُ دونَ أن يدعوَ، ثم يرمي الجمراتِ في اليومِ الثاني من أيّامِ التشريقِ بعدَ الزوالِ كما رماها في الأوّلِ تمامًا، ومَن عجز عنِ الرميِ كالكبيرِ، والمريضِ، ونحوِهِما، جاز أن يوَكِّلَ مَن يرمي عنه.

الأفضل في رمي الجمار أيام التشريق أن تُرْمَى قبل الغروب، وكذلك جمرة العقبة، أما الرمي ليلاً فقد أجازه بعض أهل العلم؛ لأن النبي ﷺ وقت ابتداء الرمي بعد الزوال في أيام التشريق، ولم يوقت انتهاءه.

بعد رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر ، إن شاء الحاج تعجَّل وطاف طواف الوداع، ثم ذهب إلى بلاده، وإن شاء تأخَّر فبات بمنى ليلة الثالث عشر، ورمى الجمار بعد الزوال في اليوم الثالث عشر وهذا الأفضل.

من غربت عليه الشمس من اليوم الثاني عشر وهو لم يخرج من منى، فإنه يلزمه التأخر ويبيت في منى ويرمي الجمار الثلاث في اليوم الثالث عشر بعد الزوال.

إذا عجز المتمتع والقارن عن الهدي وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله.


مناسك الحج والعمرة في الإسلام
مناسك الحج والعمرة في الإسلام
سعيد بن وهف القحطاني
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00