كُتَّابه، وكتبه صلَّى الله عليه وسلَّم التي كتبها إلى أهل الإسلام في الشرائع، ثُمَّ كتبه ورسله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الملوك

يتناول الإمام ابن القيِّم بالحديث من كانوا يكتبون للنبيّ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم من الصحابة، وعلى رأس هؤلاء يأتي: "أبو بكر، وعمر، وعثُمَّان، وعليّ، والزبير، وعامر بن فُهيرة، وعمرو بن العاص، وأُبَيّ بن كعب، وعبدُ الله بن الأرقم، وثابتُ بنُ قيس بن شمَّاس، وحنظلةُ بن الربيع الأُسَيْدِيُّ، والمغيرةُ بن شعبة، وعبد الله بن رواحة، وخالد بن الوليد، وخالد بن سعيد بن العاص. وقيل: إنَّه أوَّل من كتب له، ومعاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت وكان ألزَمهم لهذا الشأن وأخصّهم به".

أمَّا عن كتبه صلَّى الله عليه وسلَّم التي كتبها إلى أهل الإسلام في الشرائع، "فمنها كتابُه في الصدقات الذي كان عند أبي بكر، وكتبه أبو بكر لأنس بن مالك لمَّا وجَّهه إلى البحرين وعليه عمل الجمهور".

ومنها كتابُه إلى أهل اليمن وهو الكتاب الذي رواه أبو بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدِّه، وكذلك رواه الحاكم في مستدركه، والنسائيّ، وغيرهما مسندًا متَّصلًا، ورواه أبو داود وغيره مرسلًا، وهو كتاب عظيم، فيه أنواعٌ كثيرة من الفقه، في الزكاة، والديات، والأحكام، وذكر الكبائر، والطلاق، والعتاق، وأحكام الصلاة في الثوب الواحد، والاحتباء فيه، ومسّ المصحف، وغير ذلك.. قال الإِمام أحمد: لا شكَّ أنَّ رسولَ الله ﷺ كَتَبَه، واحتجَّ الفقهاءُ كلُّهم بما فيه من مقادير الديات". ومنها كتابه إلى بني زهير. ومنها كتابُه الذي كان عند عمر بن الخطَّاب في نصب الزكاة، وغيرها".

أمَّا عن الرسائل التي أرسلها النبيّ ﷺ إلى الملوك والحكام، فيقول عنها: " لمَّا رجع من الحُدَيْبِيَةِ، كتب إلى ملوك الأرض، وأرسل إليهم رسله، فكتب إلى ملك الرُّوم، فقيل له: إنَّهم لا يقرؤون كتابًا إلَّا إذا كان مختومًا، فاتَّخذ خاتمًا من فضَّة، ونقش عليه ثلاثة أسطر: محمَّد سطر، ورسول سطر، والله سطر، وختم به الكتب إلى الملوك، وبعث ستّة نفر في يوم واحد في المحرَّم سنة سبع".

"وقد روى مسلم في صحيحه من حديث قتادة عن أنس قال : كتَبَ رسولُ الله ﷺ إلى كِسْرَى، وإلى قَيْصَر، وإلى النَّجَاشِيّ، وَإلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُم إِلَى اللهِ تَعَالَى".

وبعث دِحية بن خليفة الكَلْبي إلى قيصر ملِك الروم، وبعث عبد الله بن حُذافة السَّهميّ إلى كسرى، وبعث حاطب بن أبي بَلتعة إلى المُقَوْقِس، ملك الإِسكندريّة عظيم القبط . وبعث شجاع بن وهب الأسديّ إلى الحارث بن أبي شَمِر الغسانيّ ملك البلقاء . وبعث سَلِيطَ بن عمرو إلى هَوذَةَ بن عليّ الحنفيّ باليمامة. فهؤلاء الستّة قيل: هم الذين بعثهم رسولُ الله ﷺ في يوم واحد.

 

في مؤذِّنيه صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمرائه، وحرسه، وفي من كان يضرب الأعناق بين يديه، وفي من كان على نفقاته وخاتمه ونعله وسواكه ومن كان يأذن عليه. ثُمَّ فصل في شعرائه وخطبائه

يتناول المؤلِّف الحديث عن مؤذِّنيه، صلَّى الله عليه وسلَّم، وكانوا أربعة: اثنان بالمدينة: بلالُ بن رباح، وهو أوَّل من أذَّن لرسول الله ﷺ، وعمرُو بن أمّ مكتوم القرشيّ العامريّ الأعمى، وبقباء سعد القرظ مولى عمَّار بن ياسر، وبمكّة أبو محذورة واسمه أوس بن مغيرة الجمحيّ، وكان أبو محذورة منهم يرجِّع الأذان، ويثنِّي الإِقامة، وبلال لا يرجِّع، ويفرد الإِقامة، فأخذ الشافعيّ رحمه الله وأهلُ مكّة بأذان أبي محذورة، وإقامةِ بلال، وأخذ أبو حنيفة رحمه الله وأهلُ العراق بأذان بلال، وإقامة أبي محذورة، وأخذ الإِمام أحمد رحمه الله وأهلُ الحديث وأهلُ المدينة بأذان بلال وإقامته، وخالف مالك رحمه الله في الموضعين: إعادة التكبير، وتثنية لفظ الإِقامة، فإنَّه لا يكرِّرها.

أمَّا أمراؤه صلَّى الله عليه وسلَّم، فمنهم باذان بن ساسان، من ولد بهرام جور، أمَّره رسول الله ﷺ على أهل اليمن كلِّها بعد موت كسرى، فهو أوَّلُ أمير في الإِسلام على اليمن، وأوَّلُ مَنْ أسلم من ملوك العجم. ثُمَّ أمَّر رسولُ الله ﷺ بعد موت باذان ابنه شهر بن باذان على صنعاء وأعمالها. ثُمَّ قُتِلَ شهر، فأمَّر رسول الله ﷺ على صنعاء خالد بن سعيد بن العاص.

وولَّى رسولُ اللهِ ﷺ المهاجِرَ بن أبي أميَّة المخزوميّ كِندَة والصَّدِف، فتوفِّي رسولُ الله ﷺ ولم يَسِرْ إليها، فبعثه أبو بكر إلى قتال أناس من المرتدِّين.

وولَّى زيادَ بن أميّة الأنصاريّ حضرموت. وولَّى أبا موسى الأشعريّ زبيدَ وعدن والساحل. وولَّى معاذ بن جبل الجَنَد. وولَّى أبا سفيان صخر بن حرب نَجْرَان.

وولَّى ابنه يزيد تيماء. وولَّى عَتَّابَ بنَ أَسِيد مكَّة، وإقامة الموسم بالحجّ بالمسلمين سنة ثمانٍ وله دون العشرين سنة. وولَّى عليّ بن أبي طالب الأخماس باليمن والقضاء بها. وولَّى عمرو بن العاص عُمَان وأعمالها.

وولَّى الصدقاتِ جماعة كثيرة؛ لأنَّه كان لكلِّ قبيلة والٍ يقبض صدقاتها، فمن هنا كثر عمَّالُ الصدقات.

وولَّى أبا بكر إقامةَ الحجّ سنة تسع، وبعث في أَثَرِهِ عليًّا يقرأ على الناس سورة (براءة) فقيل: لأنَّ أوَّلها نزل بعد خروج أبي بكر إلى الحجّ. وقيل: بل لأنَّ عادة العرب كانت أنَّه لا يَحِلُّ العقودَ ويعقدها إلَّا المطاعُ، أو رجلٌ مِنْ أهل بيته. وقيل: أردفه به عونًا له ومساعدًا. ولهذا قال له الصديق: أمير أو مأمور؟ قال: بل مأمور.

واختلف الناس، هل كانت هذه الحجَّةُ قد وقعت في شهر ذي الحجَّة، أو كانت في ذي القَعدة من أجل النسيء؟ على قولين، والله أعلم.

وأمَّا حرسه، صلَّى الله عليه وسلَّم، فمنهم سعدُ بن معاذ، حرسه يومَ بدر حين نام في العريش، ومحمَّد بن مسلمة حرسه يوم أُحد، والزبير بن العوام حرسه يوم الخندق. ومنهم عبَّاد بن بشر، وهو الذي كان على حرسه، وحرسه جماعة آخرون غير هؤلاء، فلمَّا نزل قوله تعالى: { وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ } [المائدة: 67]خرج على الناس فأخبرهم بها، وصرف الحرس.

أمَّا شعراء النبيّ ﷺ وخطبائه الذين كانوا يَذبُّون عن الإِسلام، فمنهم: "كعبُ بن مالك، وعبدُ الله بن رواحة، وحسَّان بن ثابت، وكان أشدَّهم على الكفار حسانُ بن ثابت وكعبُ بن مالك يُعيِّرهم بالكفر والشرك، وكان خطيبَه ثابت بن قيس بن شمَّاس".


زاد المعاد في هدي خير العباد - الجزء الأول
زاد المعاد في هدي خير العباد - الجزء الأول
ابن قيم الجوزية
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00