غزوات النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كلّها وبعوثه وسراياه كانت بعد الهجرة من مكَّة إلى المدينة في مدَّة عشر سنين، يقول المؤلِّف: "فالغزواتُ سبع وعشرون، وقيل: خمس وعشرون، وقيل: تسع وعشرون وقيل غير ذلك، قاتل منها في تسع: بدر، وأُحد، والخندق، وقريظة، والمصطلق، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف. وقيل: قاتل في بني النضير، والغابة، ووادي القُرى من أعمال خيبر".
وأمّا سراياه وبعوثه، فقريب من ستِّين، والغزوات الكبار الأمَّهات سبع: بدر، وأُحد، والخندق، وخيبر، والفتح، وحنين، وتبوك. وفي شأن هذه الغزوات نزل القرآن، فسورة (الأنفال) نزلت في غزوة بدر، وفي أُحُد آخر سورة (آل عمران) إلى قبيل آخرها بيسير، وفي قصّة الخندق، وقريظة، وخيبر صدر (سورة الأحزاب)، وسورة (الحشر) في بني النضير، وفي قصَّة الحديبية وخيبر سورة (الفتح) وأشير فيها إلى الفتح، وذكر الفتح صريحًا في سورة (النصر).
ويضيف ابن القيِّم : وجرح منها ﷺ في غزوة واحدة وهي أحد، وقاتلت معه الملائكة منها في بدر وحنين، ونزلت الملائكة يوم الخندق، فزلزلتِ المشركين وهزمتهم، ورمى فيها الحصباءَ في وجوه المشركين فهربوا، وكان الفتحُ في غزوتين: بدر، وحنين. وقاتل بالمنجنيق منها في غزوة واحدة، وهي الطائف، وتحصَّن في الخندق في واحدة، وهي الأحزاب أشار به عليه سلمان الفارسيّ رضي الله عنه".
أمَّا سلاح النبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكان له تسعة أسياف ولكلّ منها اسم ، يقول ابن القيِّم :
"مأثور، وهو أوَّل سيف ملكه، ورثه من أبيه . والعضْب، وذو الفِقار، بكسر الفاء، وبفتح الفاء، وكان لا يكادُ يُفارقه، وكانت قائمته وقبيعتُه وحلقتُه وذؤابته وبكراتُه ونعلُه مِنْ فضَّة. والقلعيّ، والبتَّار، والحتف، والرَّسوب، والمِخْذَم، والقضيب، وكان نعلُ سيفه فضَّةً، وما بين ذلك حلق فضَّة . وكان سيفه ذو الفِقار تنفَّله يوم بدر، وهو الذي أُري فيها الرؤيا، ودخل. يوم الفتح مكَّة وعلى سيفه ذهب وفضَّة".
أمَّا الأدرع (جمع درع) فكان للنبيِّ ﷺ سبعة أدرع: "ذات الفضول: وهي التي رهنها عند أبي الشحم اليهوديّ على شعير لعياله، وكان ثلاثين صاعًا، وكان الدَّيْن إلى سنة، وكانت الدِّرعُ مِن حديد. وذات الوِشاح، وذات الحواشي، والسعديّة، وفضّة، والبتراء والخِرْنق".
كما كانت له ستُّ قِسيٍّ: "الزوراء، والرَّوحاء، والصفراء، والبيضاء، والكَتوم، كُسِرَتْ يوم أحد، فأخذها قتادة بن النعمان، والسَّداد". وكانت له جَعْبَة تدعى: الكافور، وَمِنْطَقَة من أديم منشور فيها ثلاث حلق من فضّة، والإِبزيم من فضَّة، والطرف من فضَّة، وكذا قال بعضهم، وقال شيخ الإِسلام ابن تيميّة: لم يبلغنا أنَّ النبيّ ﷺ شدَّ على وسطه منطقة .
وكانت له خمسة رماح، يقال لأحدها: "المُثْوِي، والآخر: المُثْنِي، وحربة يقال لها: النبعة، وأخرى كبيرة تدعى: البيضاء، وأخرى صغيرة شبه العكاز يقال لها: العَنَزَة يمشي بها بين يديه في الأعياد، تركز أمامَه، فيتَّخذها سترة يُصلِّي إليها، وكان يمشى بها أحيانًا".
وكانت للنبيّ ﷺ راية سوداء يقال لها : "العُقاب". وفي سنن أبي داود عن رجل من الصحابة قال: "رأيتُ راية رسول الله ﷺ صفراء، وكانت له ألوية بيضاء، وربَّما جعل فجّها الأسود" .
أمَّا في شأن ملابس النّبي، فيذكر الإمام ابن القيِّم أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانت له عمامة تُسمَّى: السحاب، كساها عليًّا، وكان يلبَسُها ويلْبَسُ تحتها القَلَنسُوة. وكان يلبَس القلنسُوة بغير عمامة، ويلبَسُ العِمامة بغير قلنسُوة. وكان إذا اعتمَّ، أرخى عِمامته بين كتفيه، كما رواه مسلم في صحيحه.
وعن جابر بن عبد الله، أنَّ رسول الله ﷺ "دَخَلَ مَكَّة وَعَلَيْهِ عمَامَةٌ سَودَاء". ولم يذكر في حديث جابر: ذؤابة، فدلَّ على أنَّ الذؤابة لم يكن يرخيها دائمًا بين كتفيه. وقد يقال: إنَّه دخل مكَّة وعليه أهبةُ القتال والمِغفَرُ على رأسه، فلبسَ في كلّ مَوطِنٍ ما يُناسبه.
ويضيف المؤلِّف : "ولبس القميص كان أحبَّ الثياب إليه، وكان كُمُّه إلى الرُّسُغ "، ثُمَّ يعدِّد الإمام ابن القيِّم ما لبسه النبيّ ﷺ، فيقول: ولبس الجُبَّةَ والفَروج، والفرجيّة، ولبس القَباء أيضًا، ولبس في السفر جُبَّة ضَيِّقَةَ الكُمَّين، ولبس الإِزار والرداء. ولبس حُلَّة (والحلَّة: إزار ورداء، ولا تكون الحُلَّة إلَّا اسمًا للثوبين معًا)، ولبس الخميصة. وقد روي في غير حديث أنَّه لبس السراويل. وكان قميصه من قطن، وكان قصيرَ الطول، قصيرَ الكُمَّين، وأمَّا هذه الأكمام الواسعة الطِّوال، فلم يلبسها هو ولا أحد من أصحابه البتّة، وهي مخالفة لسنَّته. وكان أحبَّ الثياب إليه القميصُ والحِبَرَةُ.
وكان أحبَّ الألوان إليه البياضُ، وقال: "هي مِنْ خَيْرِ ثِيَابكُمْ، فَالبسوها، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكمْ"، وكان غالبُ ما يلبس هو وأصحابُه ما نُسِجَ مِن القطن، وربَّما لبسوا ما نُسِجَ من الصوف والكتَّان.
ثُمَّ يقرِّر الإمام ابن القيِّم: "والصواب أنَّ أفضل الطرق طريقُ رسول الله ﷺ التي سنَّها، وأمر بِها، ورغَّب فيها، وداوم عليها، وهي أنَّ هديَه في اللباس أن يلبس ما تيسَّر مِنَ اللباس، من الصوف تارة، والقطن تارة، والكتان تارة".
وكذلك كان هديُه ﷺ وسيرتُه في الطعام؛ لا يردُّ موجودًا، ولا يتكلَّف مفقودًا، فما قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيّبات إلَّا أكله، إلَّا أن تعافَه نفسُه، فيتركَه من غير تحريم، وما عاب طعامًا قطُّ، إن اشتهاه أكله، وإلَّا تركه، كما ترك أكل الضَّبِّ لمَّا لَمْ يَعْتَدْهُ ولم يحرّمه على الأمَّة، بل أُكِلَ على مائدته وهو ينظر.
وأكل الحلوى والعسل، وكان يُحبِّهما، وأكل لحم الجزور، والضأن، والدجاج، ولحم الحُبارى، ولحم حِمار الوحش، والأرنب، وطعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرُّطبَ والتمرَ، وشرب اللبنَ خالصًا ومشوبًا، والسويق، والعسل بالماء، وشرب نقيع التمر، وأكل القِثَّاء بالرُّطَبِ، وأكل الأَقِطَ، وأكل التمر بالخبز، وأكل الخبز بالخلّ، وأكل الثريد، وهو الخبز باللحم، وأكل من الكَبِدِ المَشوِيَّةِ، وأكل القَدِيد، وأكلَ الدُّبَّاء المطبوخةَ، وكان يُحبُّها وأكلَ المسلُوقةَ، وأكلَ الثريدَ بالسَّمْن، وأكلَ الجُبنَ، وأكلَ الخبز بالزيت، وأكل البطيخ بالرُّطَبِ، وأكل التمر بِالزُّبْدِ، وكان يُحبّه، ولم يكن يردُّ طَيِّبًا، ولا يتكلَّفه.
بل كان هديه أكلَ ما تيسر، فإن أعوزه، صَبَرَ حتَّى إنَّه ليربِطُ على بطنه الحجر من الجوع، ويُرى الهلالُ والهلالُ والهلالُ، ولا يُوقد في بيته نارٌ. وكان معظمُ مطعمه يوضع على الأرض، وكان يأكل بأصابعه الثلاث، ويلعَقُها إذا فرغ، وهو أشرفُ ما يكون من الأكلة، فإنَّ المتكبِّرَ يأكل بأصبع واحدة، والجَشِعُ الحريصُ يأكل بالخمس، ويدفع بالراحة. وكان لا يأكل مُتَّكِئًا. وكان يسمّي الله تعالى على أوَّل طعامه، ويحمده في آخره. وكان إذا فرغ مِن طعامه لَعِقَ أصابعه، ولم يكن لهم مناديلُ يمسحون بها أيديهم.