الباب السادس: الإيمان بالقَدَر

لا يتمّ إيمان الإنسان حتَّى يؤمن بالقَدَر خيرّه وشرّه، وأنّه من عند الله، وأنّه لا يكون شيء في الكون كلّه إلَّا ما قدّر الله، فإنّ الأحداث التي تَجري في الكون كلّه وفي حياة الناس إمَّا أن تكون في تصوُّر الإنسان آتية من عند الله، وإمَّا أن تكون في تصوًّرهِ آتية من عند غير الله. فإن كانت الأولى فقد آمن بالله حقًّا، وإن كانت الثانية فقد أشركَ، وهو شركٌ في أصل الاعتقاد في كلمة "لا إله إلَّا الله"، والتي تعني أنّه لا معبود يستحقّ العبادة إلَّا الله؛ لأنّ الإنسان إذا ظنَّ أنَّ أحداث الكون تأتي من أيّ مصدرٍ غير الله تعالى، فهذا يعني أنّ الله ليس هو المتصرّف وحده في شئون الكون، وهو ما يُنافي كلمة لا إله إلَّا الله، قال تعالى: (قُل لَّن یُصِیبَنَاۤ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ) [سورة المؤمنون: الآية ٥١].

أثر الإيمان بالقَدَر في الحياة

الإيمان بالقَدَر في حياة المؤمن هو أقوى حافز للعمل الصالح والإقدام على عظائم الأمور بثباتٍ وعزمٍ وثقة، وقد ظهر ذلك الإيمان في حياة الأجيال الأولى من المسلمين، وخاصّة في استبسالهم في الجهاد في سبيل الله، فقد كان المسلمون وقتها يقولون: إذا كان لا يُصيب الإنسان إلَّا ما كتبه الله وقدَّره، ففيمَ الجُبن؟ وفيم الفرار من القتال خوفًا من الموت؟! وهكذا أقبلوا على الجهاد بثقة وعزمٍ.

والإيمان بالقدر عصمة من الوهن والجزع عند حلول المصائب

فعند حلول المصائب تهتز النفوس، ويتأثَّر الإنسان بما يُصيبه من أمراضٍ أو آلامٍ أو فقدٍ، فإذا كان هذا الإنسان غير مؤمنٍ بالقَدَر، فإنّه يُصاب بالوهن وتتفتّت عزيمته، وأمَّا من يؤمن بالقدر فهو يمضي في حياته مطمئنًّا لقدر الله، يستمدّ منه العزم، ويرجو منه التخفيف. وقد انحرفت جموع المسلمين في العصور الأخيرة في عقيدة القضاء والقَدَر، فأصابهم التواكل والعجز، فقد فهموا من معنى أنّه لا يحدث في الكون إلّا ما يُريده الله، أنّه لا حاجة للإنسان لأن يعمل، فَقدر الله سوف يتحقّق سواء عمل أو لم يعمل، فلا ضرورة للسَّعي في طلب الرزق ولا داعي للنشاط والحركة. وهذا التواكل وهذه السلبية ليسا من الإسلام في شيء.

إنّ عقيدة القَدَر لا تنفي مسئوليّة الإنسان عن عمله، ولا تدعو إلى القعود عن تغيير الواقع، ولا تدعو إلى التواكل وعدم الأخذ بالأسباب انتظارًا لقدر الله، فمنهج الأخذ بالأسباب هو المنهج الصحيح والذي ينبغي أن يعود المسلمون إليه؛ ليزول عنهم ما أصابهم من فقرٍ وجهلٍ ومرضٍ وتواكل وعجز، وما ترتّب على ذلك كلّه من غلبة عدوّهم عليهم، وهوانهم على أنفسهم وعلى الناس.

 


ركائز الإيمان
ركائز الإيمان
محمد قطب
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00