حياة الصحابة (الجزء الثالث)

الباب الحادي عشر

كان الصحابة رضي الله عنهم، يؤمنون بالغيب، ويتركون اللذائذ الفانية، والمشاهدات الإنسانية، والمحسوسات الوقتية، والتجربات المادية بإخبار النبي ﷺ، فكأنهم كانوا يعاينون المغيبات، ويكذبون المشاهدات

 

عظمةُ الإيمان

كان النبي ﷺ يبشر بالجنة من شهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه، وكان يبشر بدخول الجنة لمن مات لا يشرك بالله شيئًا، فقد روى أنس رضي الله عنه أن رجل جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إني شيخ كبير، وإني لا استطيع أن أتعلم القرآن، ولكني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله حق اليقين، فلما مضى الشيخ قال النبي ﷺ: "فقه الرجل _أو فقه صاحبكم"

خروج أهل الشهادة من النار:  قال رسول الله ﷺ: "إذا اجتمعَ أهلُ النَّارِ في النَّارِ ومَن شاءَ اللَّهُ معهُم من أهلِ القِبلةِ قال الكفَّارُ للمسلِمينَ ألم تَكونوا مسلِمينَ قالوا بلَى فيقولون ما أغنَى عنكُم إسلامُكم إذ أنتُم معنا في النَّارِ فيقولون: كانت لنا ذنوبٌ فأُخِذنا بِها فيسمَعَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ ما قالوا ، فَيأمرُ بإخراجِ مَن كانَ في النَّارِ من أهلِ القِبلةِ فيُخرَجونَ فإذا رأى ذلكَ الكفَّارُ قالوا : يا لَيتَنا كنَّا مسلِمينَ فنخرجَ كما أُخرِجوا ثمَّ قرأ رسولُ اللَّهِ ﷺ:﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ. رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾[الحجر :1،2]

 قول علي رضي الله عنه في الشهادة وأهلها: قال: "أفصح الناس وأعلمهم بالله عز وجل، أشد الناس حبًا وتعظيمًا لحرمة أهل لا إله إلا الله"، وعن ابن مسعود قال: "فمن ضن بالمال أن ينفقه، وهاب العدو أن يجاهده، والليل أن يكابده، فليكثر من قول لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله"، وضن هنا بمعنى بخل، أما يكابده فمعناها، أن يتحمل المشاق فيه.

 

مجالس الإيمان

رغبة عمر ومعاذ رضي الله عنه في مجالس الإيمان:  عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كان عمر رضي الله عنه مما يأخذ بيد الرجُل والرجُلين من أصحابه فيقول: قُم بنا نزدادُ إيماناً، فيذكُرون الله عز وجل، وعن الأسود قال: كنا نمشي مع معاذ رضي الله عنه فقال لنا: اجلسوا بنا نؤمن ساعة.

تجديد الإيمان

  قال: أحمد والطبراني عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "جَدِّدُوا إيمانَكم ، قيل : يا رسولَ اللهِ وكيف نُجَدِّدُ إيمانَنا ؟ قال : أكثِروا مِنْ قولِ لا إله إلا اللهُ".

 

تكذيب التجربات والمشاهدات

قصة الرجل الذي استطلق بطنه:  جَاءَ  رجلًا إلى رسول الله ﷺ فَقالَ: إنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ،  فقال "اسْقِهِ عَسَلًا" فذهب فَسَقَاهُ عَسَلًا ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقالَ: يا رسول الله  سَقَيْتُهُ عَسَلًا فَماْ زاِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا، َقالَ: "اذهب فاسقه عَسَلًا" فذهب فَسَقَاهُ عَسَلًا ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقالَ: يا رسول الله  سَقَيْتُهُ عَسَلًا فَماْ زاِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ ": صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، "اذهب فاسقه عَسَلًا"، فذهب فَسَقَاهُ عَسَلًا فَبَرَئَ.

قصة نيل مصر في عهد عمر رضي الله عنه : لما افتتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص، وكان أميرًا بها حين دخل (بؤنة) _ من أشهر العجم – فقالوا : أيها الأمير ، إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها . قال: وما ذاك ؟ قالوا: إذا كانت اثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها ، فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل، فقال لهم: إن هذا مما لا يكون في الإسلام ، إن الإسلام يهدم ما قبله، فأقاموا (بؤنة) والنيل لا يجري حتى هموا بالجلاء ، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب  رضي الله عنه بذلك ، فكتب إليه عمر: إنك قد أصبت بالذي فعلت ، وإني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي ، فألقها في النيل _فذكر الحديث_ وفي آخره: فألقى البطاقة في النيل ، فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة ، وقد قطع الله تلك السُّنة عن أهل مصر إلى اليوم ".

 

حقيقة الإيمان وكماله

قوله  لمعاذ كيف أصبحت وجواب معاذ رضي الله عنه: دخل معاذ بن جبل، على رسول الله ﷺ ، فقال "كيف أصبحت يا معاذ" قال: أصبحت مؤمنًا بالله تعالى، قال "إن لكل قولٍ مصداقًا، ولكل حق حقيقة، فما مصداق ما تقول؟" قال: يا نبي الله ما أصبحت صباحًا قط إلا ظننت أني لا أمسي، وما أمسيت مساءً قط إلا ظننت أني لا أصبح، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أُتبعها أُخرى، وكأني أنظر إلى كل أمةٍ جاثية، جاثية ؛ أي باركة على الركب لشدة الهول_،  تُدعى إلى كتابها معها نبيها وأوثانها التي كانت تعبد من دون الله، وكأني أنظر إلى عقوبة أهل النار وثواب أهل الجنة؛ قال: "عرفت فالزم".

 

الإيمان بذات الله عز وجل وصفاته تبارك وتعالى

إكثار صحابي رضي الله عنه من قراءة سورة الإخلاص: في حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ  بعث رجلًا على سَرية، قيل إنه (كلثوم بن الهدم)، فكان يقرأ لأصحابه في صلواتهم فيختم بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله ﷺ فقال: "سَلُوه لأي شيء يصنع هذا؟" فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا اُحب أن أقرأها، فقال رسول الله ﷺ : "أخبروه أن الله عَز وَجل يًحبه". قال ابن التين" إنما قال صفة الرحمن ، لأن فيها أسمائه وصفاته، وأسماء مشتقه من صفاته.

 

الإيمان  بما هو كائن في القبر والبرزخ

بكاء عثمان حينما كان يقف على القبور: وعن مولى عثمان رضي الله عنه أنه كان إذا وقف على قبر يبكي حتى يُبل لحيته،  وعندما سأل عن ذلك قال" إن النبي ﷺ قال: إن القبر أول منازل الأخرة، فإن نجا منه، فما بعده أيسر"

الإيمان بالشفاعة: قال رسول الله ﷺ: "أتاني الليلة آت من ربي عَز وَجل فخيرني بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت الشفاعة"، وقال ﷺ "إن شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا".

 

قوة إيمان الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

ما فعل الصحابة عندما نزلت ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾: عندما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة، "قالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟"، فقد فهم الصحابة الظلم على الإطلاق وشق عليهم، فبين ﷺ أنه ليس بذلك بل المراد الظلم المقيد الذي لا ظلم بعده، فقال لهم رسول الله ﷺ : "ليس كما تظنون، إنما قال لقمان لابنه ﴿ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾[لقمان :13]، أي أنه أعظم الظلم.

بكاء الصديق حين نزلت ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾:فقال له رسول الله ﷺ "ما يبكيك يا أبا بكر" قال يبكيني هذه السورة، فقال له رسول الله ﷺ: "لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم، لخلق الله أمة يخطؤون ويذنبون فيغفر لهم"

 


حياة الصحابة - الجزء الثالث
حياة الصحابة - الجزء الثالث
محمد يوسف الكاندهلوي
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00