الباب الثاني

آثار اضطراب الحياة الفكريّة في المجتمعات الإسلاميّة

 

في الفترة التي سبقت الهجمات الصليبيّة كانت هناك حالة من الاضطراب الفكريّ والدينيّ، ضربت المجتمعات الإسلاميّة وقتها، وأثّرت على مختلف ميادين الحياة في المجتمع، وتمثّل ذلك في:

  • فساد الحياة الاقتصاديّة

في تلك الفترة، كانت وسائل الكسب تقوم على أسس غير مشروعة، بسبب تفنّن الدولة في أنواع الضرائب، وكذلك تفنّن التجّار في رفع الأسعار، واقتصار وسائل الإنفاق على شهوات الأغنياء، الذين كانت تُحمل لهم في الصيف من جبال لبنان ألواح الثلج، ملفوف بالصّوف والخيش.

كذلك قّلد السلاطين والولاة وكبار الموظفين بقيّة الأغنياء، والذين أخذوا الرشاوى واقتنوا الجواري وآلات الموسيقى، بينما لم تنل المصالح العامّة شيئا من الإنفاق.

كلّ ذلك جعل جماهير المسلمين يُعانون من ويلات الجوع، وانتشار المجاعات والأوبئة في أقطار العالم الإسلاميّ كلّه.

 

  • فساد الحياة الاجتماعيّة

انهار مفهوم الأمّة الإسلاميّة، وحلَّت محلَّه مفاهيم العصبيّة العشائريّة والإقليميّة والمذهبيّة، وأصبحت الصفة العامّة للحياة الاجتماعيّة هي الشغب والاضطراب، فانصرف المجتمع بمختلف هيئاته، إلى الانشغال بقضاياه اليوميّة الصغيرة، كالغذاء والكساء والمأوى، وانتشر النفاق وسقطت القيم وانهارت الأخلاق، ووافق هذا الفساد مضاعفات في اللهو وفساد الأخلاق، فقد شاعت ألعاب مصارعة الحمام، وشاع الزنا وشرب الخمر.

 

  • الانقسام السياسيّ والصراع السُّنِّيّ الشيعيّ

كانت وفاة السلطان ملكشاه هي بداية لتفكّك دولة السلاجقة، حيث دبّ النزاع بين أبنائه، وانقسمت الدولة إلى خمس ممالك متنافسة، وفي الوقت نفسه تعرَّضت بلاد الشام إلى انقسام آخر، وظهرت وحدات سياسيّة عُرفت باسم الأتابكيات. واستمرَّت علاقات الشكّ والطمع تحكم هذه الدويلات، فدخلت في صراعات وحروب لا تنتهي.

أمَّا أمراء الحجاز فكانوا يتلوَّنون بين العباسيِّين والفاطميِّين، وكانوا يقتلون الحُجّاج ويأخذون أموالهم، وخاصّة أمير مكّة محمّد بن أبي هاشم. أمّا في بلاد الشام فقد استمرّ مؤيدو الباطنيّة يبثُّون الرعب ويحيكون مؤامرات الاغتيال، وعندما احتل الصليبيُّون فلسطين والسواحل السوريّة، راحت الباطنيّة والفاطميون يستعينون بأمراء الصليبيِّين وملوكهم، ويعقدون معهم التحالفات ضدّ العالم السُّنِّيّ ، وقاموا فيما بعد بمحاولتين لاغتيال السلطان صلاح الدين الأيوبيّ، والذي نجا من المحاولة الثانية بأعجوبة. 

 

  • ضعف العالم الإسلاميّ أمام الهجمات الصليبيّة

دخل الصليبيُّون المجتمعات الإسلاميّة التي كانت تعاني من الضعف والفساد، فأطاحوا بملك سلاجقة آسيا الصغرى، واستولوا على عاصمتهم نيقية ثمَّ انحدروا إلى بلاد الشام، بعدها سيطروا على أنطاكية، ومضوا في زحفهم حتى بيت المقدس، الذي سقط في أيديهم عام 492 هجريّة، ولم يقم السلاطين والأمراء المسلمين بأيّ عملٍ لوقف هذا الزحف، وظلُّوا مشغولين بقضاياهم التافهة، كالخليفة الذي حينما قدّم له أحد الوفود كيسًا كبيرًا مليئًا بقحف الجماجم وشعر النساء والأطفال، كان جواب الخليفة له هو: "دعني أنا في شيء أهم من هذا، حمامتي البلقاء لي ثلاث ليالٍ لم أرها".

 


هكذا ظهر جيل صلاح الدين
هكذا ظهر جيل صلاح الدين
ماجد عرسان الكيلاني
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00