فلسطين تاريخ شخصي

 

يسعى هذا الكتاب إلى إيضاحِ أنّ تأسيس إسرائيل قد تَسبَّبَ في ظلمٍ كبيرٍ للفلسطينيّين، وأنّ إسرائيل قد تأسَّست بالحيلة عن طريق نشر سلسلةٍ من الأكاذيب إلى العالم أجمع، وهو الأمر الذي ما زال مستمرًّا حتى الآن.

يتناول مؤلِّف الكتاب "كارل صبّاغ" الفلسطيني الأصل، في واحدٍ وعشرين فصلًا، قصّة عائلته ذات التاريخ الطويل في فلسطين، خلال أربعمائة عامٍ، موضِّحًا من هذه القصّة بالأدلّة الموثوقة أنّ الفلسطينيّين هم أصحاب الأرض الحقيقيُّون.

عن كارل صبّاغ

ارتحل والد الكاتب عيسى صبّاغ الفلسطينيّ الأصل إلى بِريطانيا في الثلاثينيّات من القرن العشرين، وقد عمل هناك قارئًا في إذاعة BBC الإخباريّة عندما أعلنتْ عن حاجتها لكادرٍ عربيّ، وقد انتقل إلى هناك مع زملائه وزوجتهِ البريطانية التي عملتْ بقسم الترفيه في الإذاعة نفسها، والتي لم تكن تعرف شيئًا عن الشرق الأوسط أو فلسطين.

انفصل والدا كارل بعد ولادته بسنوات قليلةٍ، وبقي هو مع والده في بريطانيا، يراقب رغبة والده الشديدة في زيارة وطنه فلسطين، ولكنّ ذلك لمْ يحدث بسبب اندلاع حرب عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعون. التي انتهتْ بإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، فغادر "عيسى" إلى America وأنشأ إذاعة صوت America العربيّة.

كان "كارل" في طفولته كمعظم البريطانيّين، يجهل حقيقة ما حدث على أرض فلسطين وإلى أي شعبٍ تنتمي، ولكنّه بدأ يفهم أنّ النظرة البريطانيّة السائدة عن فلسطين هي النظرة الإنجيليّة القائمة على المفهوم اليهوديّ للأرض المقدّسة بالتحديد.

لذلك يسعى الكاتب في هذا الكتاب لذِكر الظروف التي أدّت إلى قيام دولة إسرائيل، مُسقِطاً تبعات الظلم التي عانى منها الفلسطينيّون والتي نقرأ عنها بالصحف والمَجلّات منذ سنوات؛ لكونها شيئًا مكرَّرًا قد اعتدنا عليه وحفِظناه.

الفصل الأوّل: فلسطين القديمة

تقع أراضي فلسطين في الجهة الشرقيّة من البحر المتوسّط، وتبلغ مساحتها عشرة آلاف ميل مربّع، تعاقبتْ عليها أجيال وحضارات عديدةٌ، إلَّا أنَّها انتكستْ بحكم العثمانيّين لها.

وقد توالت حركات هجرة القبائل الساميّة إلى فلسطين من الجزيرة العربيّة قبل نحو خمسة آلاف سنةٍ، واستقرّت قبيلةٌ منهم تُعرَف باسم الكنعانيّين، في فلسطين. وكان من هذه القبائل أيضًا "العبرانيّون" الذين تمكَّنوا من العبور من مصر إلى فلسطين بعد حوالي ألف سنةٍ من الكنعانيّين، والذين تأثّروا بحضارتهم ولغتهم وتعدّد آلهتهم رغم إدراكهم لمفهوم التوحيد من مصر، وهيّأوا ظروف ميلاد اليهوديّة في فلسطين حينها، وقد سكنوا المناطق الوسطى من مرتفعات فلسطين في أواخر القرن الثالث عشر.

يشرح العهد القديم سلسلةً من الأحداث التي وقعتْ بأرض فلسطين منذ ميلاد اليهوديّة، والتي بدأتْ بميلاد نبي الله إبراهيم، عام ألفين وخمسين قبل الميلاد، ثمّ عهود بعض الملوك ومنهم نبيا الله، داود وسليمان، اللذان حكما منطقةً من فلسطين كان يُطلَق عليها إسرائيل، وهي التي انقسمتْ إلى مملكتين فيما بعد، مملكة "يهودَا" التي سقطتْ على يد الآشوريّين، ومملكة إسرائيل التي سقطتْ على يد البابليّين، في الفترة بين عاميّ سبعمائة وعشرين وخمسمائة وستة وثمانين قبل الميلاد.

وتأتي أغلب المعلومات التاريخيّة، عن الحقبة التي عاش بها اليهود في فلسطين، بالكتاب المقدّس، في نصوص دُوِّنَت بعد انقضاء هذه الأحداث بقرونٍ.

لذلك.. قد لا نجد خرائط قديمةً تصف الحدود التي عاش بها اليهود في فلسطين؛ فحدود المناطق التي عُرِفتْ باسم "إسرائيل" تتماهى مع المناطق التي عاش بها الشعب المعروف بالإسرائيليّين. كما أنّه لا يوجد أيّ دليل عِرقيّ يصلح للتفريق بين "الكنعانيّين" و"الإسرائيليّين".

الفصل الثاني: مَلِكُ فلسطين الأوّل

في القرن الثامن عشر، كانت منطقة الشرق الأوسط بأكملها من ألبانيا وحتى مصر خاضعةً لحكم العثمانيّين. حيث قُسِّمَتْ تلك المناطق إلى سناجق، حَكَمَ كلّ سَنجقٍ منها مَلِكٌ، وذلك تحت وصاية السلطان العثمانيّ، فَحَكَمَ شخصٌ بدوي يُدْعَى ظاهر العُمَر، منطقةً تشمل شمال إسرائيل أي جنوب لبنان، وحتى جنوب غَزّة، أظهر فيها حكمًا مُزدَهرًا اقتصاديًّا جعل العثمانيّين يعزفون عن إخضاع المنطقة لحاكمٍ من القسطنطينيّة؛ فقد كان قائدًا ذا شخصيّةٍ عظيمةٍ بشهادة اثنين من عائلة "صبّاغ"، وهو الجدّ عبود، وابن عمّ الكاتب ميخائيل، وكان أحدُ أجداد الكاتب يُدعى إبراهيم صبّاغ، وزيرًا أو مسؤولًا كبيرًا في سلطة ظاهر العُمَر.

وُلِد ظاهر العُمَر لأحد قبائل البدو ضمن عائلة "الزيداني"، التي لمْ تستقرّ في منطقةٍ واحدة، فأخذوا يتنقّلون بين شمال فلسطين وجنوب سوريا، إلى أن استقرّوا في إحدى المناطق على ضفاف نهر الأُرْدن. ومنها بدأ ظاهر في توسيع مستقبله بمهارة، حتى استطاع تأسيس أوَّل بيت حاكمٍ له في مدينة صَفَد التي تُعدّ موطن عائلة "صبّاغ" الأصليّ، ومنها وصل لأن يصبح حاكمًا لمنطقة فلسطين تحت وصاية الدولة العثمانيّة.

قوبِلتْ فترة حكمِ ظاهر العُمَر بمشاكل مع باشا دمشق، حاول تفاديها بنقل مكان حكمه وتوسيع منطقته إلى أن سيطر على منطقة الجليل بأكملها وأصبح متحكّمًا بعمليّات تجارة المنتجات الزراعيّة. ولكنّ ذلك لمْ يَدُمْ مع بدء النِزاع بينه وبين أبنائه الذين كان لكلٍّ منهم منطقةٌ يحكمها مساعدةً له، وذلك بعدما حاول باشا دمشق إغواء أحدهم حتى انتكس حكمه وتصدّع الاقتصاد في المنطقة.

الفصل الثالث: نهاية حُكْمِ ظاهر

كان لـ ظاهر صديقٌ ومساعدٌ كبيرٌ من عائلة "صبّاغ"، وهو "إبراهيم صبّاغ" أحد أجداد الكاتب الذي سمع قصّته من عمٍّ له، وكانت روايته هي أبرز ما قد توصّل به الكاتب من أدلّةٍ على توثيق ما حدث لحكم "ظاهر العُمر"؛ إذ نصحه "إبراهيم" بإبرام صفقةٍ مع حاكم مصر العثمانيّ "علي بيك الكبير"؛ لكونه قد ظنّ أنّ هذا الحاكم سيتمكّن من الاستيلاء على سوريا بقوّته. ولكنّ هذه النصيحة كانت خطأً فادحًا قد أودى بحكم "ظاهر" للنهاية؛ حيث بدأ الأمر بهزيمة العثمانيّين من الروس، وقيام سلاسل من ثورات الحُكّام على الدولة العثمانيّة، مما جعل علي بك الكبير غافلًا عن المؤامرات التي تُحاكُ له في قلعته بمصر من شخصٍ يُدعى أبا ذهبٍ، استطاع اقتناص حكم مصر منه بالحيلة، وكذلك حكم منطقة فلسطين من ظاهر العُمَر الذي كان قد وصل لعقده الثامن.

وقد حال طمع أبي ذهبٍ في ثَرَوَات المنطقة دون حكمه، فكان يعامل أهل البلد أسوأ معاملةٍ، إلى أن توفاه الله في منزله دون مرضٍ، وبعدها عاد "ظاهر" لحكم المنطقة سريعًا برفقة إبراهيم صبّاغ.

حينها جاءه أسطولٌ من الدولة العثمانيّة بقيادة حسن باشا يطالبونه بضرائب السنين الماضية، ولكنّه رفض دفعها بناءً على رأي إبراهيم، فهاجم الأسطول المدينة واستولى عليها، وقُتِل "ظاهر" على يد أحد جنود التاجر المغربيّ الذي تعاون مع العثمانيّين ضدّه، بينما فرّ "إبراهيم" هاربًا لأحد القبائل ذات العلاقة الوطيدة معه، ولكنّهم سلّموه فيما بعد للعثمانيّين.

ولمْ يتبقَّ من ذريّة "إبراهيم صبّاغ" سوى عددٍ قليلٍ، انتقلوا بعيشهم إلى شمال فلسطين بعد أن استولتْ حكومة العثمانيِّين على ثروات "إبراهيم" التي كان يخبّئها في ديرٍ مسيحيّ.


فلسطين تاريخ شخصي
فلسطين تاريخ شخصي
كارل عيسى صباغ
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00