الفصل الرابع: فلسطين في القرن التاسع عشر

تأتي معظم المعلومات التاريخيّة عن فلسطين في القرن التاسع عشر، من حكايات الرحَّالَة المسيحيّين القادمين لزيارتها في ذلك الوقت من الغرب، ولكنّهم ربطوا دائمًا كلّ حدثٍ في الأرض المقدّسة بفلسطين مع حَدَثٍ أو موقعٍ في الكتاب المقدَّس لكون المسيح قد وُلِد في أرض فلسطين بمنطقة بيت لحم.

وقد كان من بينهم، الرحَّالة الصهيوني الإنجليزيّ الڤيكتوريّ "لورانس أوليڤانت"، الذي ساهم في نشر فكرة أنّ فلسطين هي أرض اليهود في بريطانيا في ذلك الوقت، رغم أنّ كتاباته كانت تزدري اليهود الذين عاشوا في فلسطين؛ إذ كانوا يعيشون على دعم صندوق Halukka الخيريّ، الذي يمتلئ بأموال اليهود المتديّنين إرغامًا. فتناول "أوليڤانت" مدينة "صَفَد" بصفة خاصّة لكونها كانت أكثر المدن الفلسطينية امتلاءً باليهود، حيث قُدِّر عدد المسلمين فيها بحوالي ستّة إلى سبعة آلاف فردٍ.

امتلأتْ مدينة "صَفَد" بِعِدّة عائلاتٍ عريقةٍ من العرب، وهم: (البشوتي، وحدَّاد، وخوري، وصبّاغ)؛ إذ عاد بعض أبناء "إبراهيم صبّاغ" من الشمال وسكنوا "صَفَد" مجدّدًا، ومن بينهم "نيقولا صبّاغ" الذي ارتحل مع أسرته إلى مصر تزامنًا مع احتلال الفرنسيّين لها، بقيادة Napoléon Bonaparte.

وكان لـ نيقولا ابنٌ يُدعى "ميخائيل" عمل بجيش "نابليون" وربّما رحل معه أثناء زيارته لـ"عكّا" عام ألف وسبعمائة وتسعة وتسعون ميلاديًّا، وذلك عندما وعد "نابليون" بحماية اليهود في فلسطين وسلّمَهُم أمان الأرض هدية.

وانسحب الفرنسيّون من الشرق الأوسط عام ألف وثمانمائة وواحدٍ ميلاديًّا. ومعهم رحل ميخائيل ليعمل في مطابع الحكومة الرسميّة مسؤولًا عن اللغة العربيّة، وساعد أثناء عمله مع مستشرقٍ كبيرٍ يُدعى البارون أنتوني سلفستر دي ساسي، في جمع النصوص العربيّة لإحدى نسخ ألف ليلة وليلة الشهيرة. إلى أن سمع بكارثة الزلزال التي حلّت بمدينة "صَفَد" وبعض المدن الفلسطينيّة الأخرى عام ألف وثمانمائة وسبعة وثلاثون ميلاديًّا. وقد تغيّر بعدها الوضع كثيرًا؛ حيث عاش المسلمون واليهود والمسيحيّون جنبًا إلى جنب في "صَفَد" في حياةٍ عاديّةٍ شبه مستقرّة.

الفصل الخامس: حكايات الرحَّالة

عَمَدَ الرَحَّالة الأمريكيّ Mark Twain وبعض الرحّالة الآخرين الذين زاروا فلسطين إلى دعم الآراء التي تقول إنّ فلسطين كانت خاليةً من العرب طوال ثلاثمائة سنةٍ مضتْ.

حيث ذكَر "توين" في كتاباته أنّ أغلب مدن وقرى فلسطين كانت خاليةً من السكان تقريبًا عدا المجتمعات اليهوديّة التي ملأتْها بين القرن السادس عشر والتاسع عشر الميلاديّين. ولكنّ تيودور بارفيت أستاذ اللغة العبريّة في لندن، قد أجرى دراسةً عميقةً بعنوان (اليهود في فلسطين من سنة ألف وثمانمائة إلى سنة ألف وثمانمائة واثنتين وثمانين ميلاديًّا، أحصى فيها بالأدلة الموثوقة عدد اليهود في ستّة مدن فلسطينيّة، ما أثبتْ أن اليهود كانوا بِنِسَبٍ أدنى في هذه المدن من ثُلث الواحد، وحتى مناطق تَرَكُّزهُم الكبرى في مدينتي "صَفَد" وحيفا كانت بنسبةٍ أقلّ من الخُمسَين.

وهذا يتمّ إثباته أيضًا في كتاب الأستاذ "جوستين مكارثي" باسم سُكَّان فلسطين الذي يتناول فيه إحصاءات سُكانيّة لعدد النساء والأطفال للعامَين ألفٍ وثمانمائة وستون ,وألفٍ وثمانمائة وسبعة وسبعون ميلاديًّا، نافيًا كذِبات Twain عن امتلاء فلسطين وقتها باليهود الصهاينة فقط.

ويعود أصل مسمّى الصهاينة إلى صهيون التي كانت اسمًا لأحد تلال القدس، حيث عقد الصهاينة أوَّل اجتماعٍ لمنظَّمتهم في مدينة Basel السويسريّة عام ألف وثمانمائة وسبعة وتسعون ميلاديًّا بهدفٍ واحد؛ وهو إقامة وطنٍ للشعب اليهوديّ في فلسطين يَضْمَنَهُ القانون العامّ، مُكرِّسِين جهودهم لمحو العرب من فلسطين وإظهار أنَّها كانت تعجّ باليهود فقط، كما أظهر Twain في كتاباته الكاذِبة.

 الفصل السادس: قصص الكتاب المُقدَّس

تقوم الثقافة الغربية على الكتاب المُقدَّس، وعلى الرغم من أنّ أتباع الديانة اليهوديّة أقلّيّة في الدول الغربيّة، إلَّا أنَّ الأفكار والأماكن والأشخاص في الكتاب المقدَّس كانت مألوفةً بالنسبة للناس، لذلك صار ما وَرَد بالكتاب المقدَّس عن فلسطين هو دليلهم الإرشاديّ الأوَّل؛ إذ تبدأ قصّة اليهود في فلسطين بالكتاب المقدَّس مع نبيّ الله "يعقوب" الذي يُدعى إسرائيل أيضًا، واعتبره اليهود جدّهم الأكبر، الذي أنجب اثني عشر ولدًا، سكن معهم في فلسطين التي عُرِفتْ بأرض كنعان حينها، ثمَّ ارتحل بهم إلى مصر، ولكنّهم غادروها تائهين في وادي التيه بين مصر وفلسطين لِمُدّة أربعين عامًا، ووصلوا أخيرًا فلسطين يُعمِّرُونها مجدّدًا.

 وحَكَمَهُم مَلِكٌ يُدعى طالوت، قتله نبيّ الله "داود" وأصبح ملكًا لمملكة الأسباط الاثني عشر، والتي عُرِفت فيما بعد باسم "إسرائيل". وتوالت الأحداث التاريخيّة إلى أن أُعلِن قريبًا قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين في الرابع عشر من آيار عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعون ميلاديًّا. ولكنّ علماء التاريخ والآثار قد نفوا صحّة بعض روايات الكتاب المقدَّس، خاصّةً مُلك "داود" الذي دام أربعين سنةً، دون بقاء آثار ملموسةٍ من مملكة "إسرائيل" التي حكمها، وكأنّها لمْ تكن موجودةً. ويشير الكثير من العلماء إلى أنَّ وجود إسرائيل المُشار إليه منذ عام ألف ومائتان وخمسون قبل الميلاد، يندرج تحت بند الأدب الروائيّ الخياليّ، حتى ما ورد بكتابِهم المقدَّس بعهده الجديد.


فلسطين تاريخ شخصي
فلسطين تاريخ شخصي
كارل عيسى صباغ
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00