الفصل العاشر: الانتداب

حاول العرب كثيرًا التخلُّص من اليهود، فاستغلّوا مؤتمر الصُلح الذي أُقيم في باريس عقب الحرب العالمية الأولى في شهر يناير عام ألف وتسعمائة وتسعة عشر ميلاديًا بحضور اثنين وعشرين دولةً، وأرسلوا نجل شريف مكة المكرمة حسين بن علي، الأمير "فيصل بن الحسين" من الحجاز رغم أنه لم يكن فلسطينيًا، ولكنّه كان الأجدر آنذاك للتحدث عن حقوق الفلسطينيين في مؤتمر الصلح ليُلقي خطابًا أمام حشد من قادة الحلفاء يُعرَفون بمجلس الستة. وحينما شعر "Chaim Weizmann" بالخطر من ناحيته، حاول التقرّب منه لجعله دعمًا عربيًا للقضية الصهيونية في فلسطين، ولكنّ فيصل رفض التعاون معه، خاصة بعدما ألقى رجل صهيوني يُدعى "Israel Zangwill" خطابًا أمام الملأ، يصف فيه العرب بأنهم ليسوا سوى بدو غير متحضرين لم يقدموا شيئًا لفلسطين وليسوا أهلًا لأُسُس الديمقراطية.

 هذا ولمْ يستطع الفلسطينيّون أن يعلَموا ما يحدث في مؤتمر الصلح، لذلك حاولت حكومة فلسطين الصغيرة التي نشأتْ بعد الحرب اللجوء إلى اللجان السِتّة من أمريكا لمساعدتهم، فوصلتْ لجنة "كينج-كرين" إلى باريس لرؤية ما يحدث هناك، حيث أثارت تلك اللجنة قلقًا كبيرًا للصهاينة والحكومة البريطانيّة؛ لأنّها قد وصلتْ في الوقت الذي كانت بريطانيا وفرنسا تتقاسمان فيه الأجزاء العربيّة التي يريدون السيطرة عليها ليكتشف العرب خططهم التي كانت تُحاك بسريّةٍ ضدّهم آنذاك.

 وقد رغِبتْ فرنسا بالحصول على سوريا وفلسطين، ولكنّ بريطانيا أصرّت على فلسطين لتزيد فرص هجرة اليهود إليها ولأسبابٍ استراتيجيّةٍ أخرى بكلّ مكرٍ، فثار الفلسطينيّون وغضبوا على بريطانيا، وحاولتْ بريطانيا تهدئة روعهم بإصدار إعلانٍ مشترَكٍ مع فرنسا يؤكدون فيه للشعوب غير التركيّة من جبال طوروس إلى الخليج الفارسيّ أنّهم سيساعدون العرب للاستقلال التامّ ونيل حريّاتهم. ولكنّ بريطانيا كانت تسعى لتعجيل الانتداب في فلسطين حتى تُسلِّمُهَا لليهود.

 الفصل الحادي عشر: عِقْدُ العشرينيات

بإصدار بِريطانيا لوثيقة الانتداب على فلسطين، بدأ اليهود بالتفاعل العملي مع بند الوطن القومي في الوثيقة، بتكثيف هجرة اليهود إلى فلسطين، حتى وصل عدد اليهود رسميًا في فلسطين بين عاميّ ألف وتسعمائة وعشرين وألف وتسعمائة وثلاثة وعشرين ميلاديًا إلى حوالي عشرة آلاف، وارتفعت الهجرة الشرعية في عام ألف وتسعمائة وأربعة وعشرين ميلاديًا إلى اثني عشر ألفًا، حتى وصلت ذروتها عام ألف وتسعمائة وخمسة وعشرين ميلاديًا إلى ثلاثة وثلاثين ألفًا، لتصبح نسبة اليهود في فلسطين حوالي عشرين بالمئة.

 وهنا، أدرك العرب الفلسطينيون حقيقة نوايا الانتداب البريطاني، فبدأ أول صدام بينهم وبين اليهود في عام ألف وتسعمائة وعشرين ميلاديًا، في احتفالات الربيع بموسم النبي موسى، وهو نفس الوقت الذي يحتفل فيه المسيحيون بعيد الفِصح أيضًا. فخرج العرب يندّدون بالمؤامرة ويطالبون بالاستقلال، وبدأت أعمال الشغب من بعض الشباب حينها، راح ضحيتها بعضٌ من الطرفين. فشكّلت بريطانيا لجنة Palin للتحقيق في الاضطرابات، ولكن اللجنة لم تَفلح في حل النزاع لكونها قد اتخذت صفّ الصهاينة منذ البداية. وقامت بريطانيا بعد ثلاثة أشهر من ازدياد عمليات الشغب بتحويل حكومة فلسطين من إدارة عسكرية إلى إدارة مدنية، وعيّنت "Herbert Samuel" أول مندوب سامٍ صهيوني في فلسطين، وجعلت لليهود المهاجرين سلطة وثراءً أكبر. وهذا ما جعل وفدًا فلسطينيًا رفيع المستوى يهاجر إلى لندن للقاء "Winston Churchill"، ثمَّ حاولوا لقاء "Balfour" لتعديل أهداف وعده، ولكنه رفض مناقشتهم حتى، واستمرت بريطانيا بمنح اليهود حق الهجرة من جميع دول العالم إلى فلسطين.

 الفصل الثاني عشر: أعمالٌ عدائيّة

كان "خليل صبّاغ" جد الكاتب من كبار الثوار ضد الحكومة البريطانية، وقد ثار ضد "Herbert Samuel" أمام منزله أيضًا، حتى انتهت فترة حكم "Samuel" كمندوب سامٍ عام ألف وتسعمائة وخمسة وعشرين ميلاديًا، بعد خمس سنوات فقط ازدادت فيها أعمال الشغب بين العرب واليهود وراح ضحيتها الكثير. واتخذ المنصب من بعده "Lord Plumer" الذي ساعد فلسطين على التعافي من فترة الشغب والحرب الكبرى في منتصف العشرينات.

 وانخفضت نسبة هجرة اليهود إلى فلسطين بين عامي ألف وتسعمائة وخمسة وعشرين وألف وتسعمائة وسبعة وعشرين ميلاديًا بفضل الظروف الاقتصادية المتدهورة والإجراءات الأكثر تقييدًا، فشهدت فيها فلسطين بعض الهدوء. ولكن شرارة العنف بين المسلمين واليهود اشتعلت بحلول سبتمبر عام ألف وتسعمائة وثمانية وعشرين ميلاديًا، نزاعًا على مساحةٍ تبلغ بضع مئات من الأمتار من أرض القدس، بسبب وجود موقعين مقدَّسين للطائفتين، بعد وقوع حادثةٍ عند حائط المبكى في القدس، الذي يعتقد اليهود أن نبي الله "إبراهيم" قد قدم أضحيته عندها. وعلى إثر الحادثة اندلعت أفظع موجات الشغب بين المسلمين واليهود في القدس ومنطقة الخليل في شهر أغسطس عام ألف وتسعمائة وتسعة وعشرين ميلاديًا، فبات كل عربي في فلسطين هدفًا للميليشيات اليهودية التي نظمها صهيوني سكن فلسطين يُدعى "Jabotinsky" وغيره. 

 


فلسطين تاريخ شخصي
فلسطين تاريخ شخصي
كارل عيسى صباغ
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00