الفصل السابع عشر: المُشرَّدون

وجّه رئيس المجلس الأمريكيّ Lessing J. Rosenwald انتقاداتٍ شديدة للصهاينة تُدينهم، مؤكّدًا أنّ فلسطين مِلكٌ لأهلها فقط، وليست مِلكًا لليهود. كما قدّم مقترحاتٍ للصهاينة لدعم اليهود المُشرَّدين من الحرب العالميّة الثانية بحقّ التواجد في فلسطين دون اغتصاب الأرض أو نَسْبِها لأنفسهم فقط. لكنّ محاولات الصهاينة لاقتناص أرض فلسطين استمرّت؛ حيث سعوا لزيادة أعداد اليهود بالهجرة إلى فلسطين، وإقامة وطنٍ يهوديٍّ بها رغمًا عن إرادة بريطانيا وسواها. ومع ذلك، وعلى الرغم من جهودهم المكثّفة، لم يستجِب لهم سوى عشرة بالمائة فقط من الثلاثة ملايين يهوديٍّ في أوروبا بالهجرة إلى فلسطين. وقد أظهرت تقارير الاستخبارات الأمريكيّة أنّ غالبية هؤلاء اليهود الألمان المهاجرين، الهاربين من شرور النازيّة، كانوا ينوون العودة إلى وطنهم في ألمانيا بعد انتهاء الحرب.

وبحلول عام ألف وتسعمائة وستّة وأربعين، وبعد فشل محاولات تهجير المزيد من يهود أوروبا إلى فلسطين، نفّذت مجموعة من المتطرّفين الصهاينة هجماتٍ إرهابية أكثر وحشيّة ضدّ الإدارة البريطانيّة وجيشها في فلسطين. وكانت خلف هذه الهجمات جماعة يهوديّة متطرّفة تُدعى Haganah، تعمل في الخفاء على تهجير مزيد من اليهود. وخلال خمسة أشهر فقط، وصل عدد المهاجرين اليهود غير الشرعيّين إلى مئتي ألف شخص. كما نشأت ثلاث جماعاتٍ إرهابيّةٍ يهوديّة داخل فلسطين، أبرزها Haganah، مهمّتها إثارة الرعب، ومهاجمة الوجود البريطاني، وتهيئة الظروف لفرض أمرٍ واقع.

إزاء ذلك، كثّفت بريطانيا جهودها مجددًا، فاعتقلت أعدادًا كبيرةً من اليهود المتطرّفين، ومنعت سفنًا محمّلة بالمهاجرين غير الشرعيين من الدخول إلى ميناء حيفا، وصادرت كميات ضخمة من الأسلحة، وكشفت عن مخابئ خفيّة لهم. وفي شباط من عام ألف وتسعمائة وسبعة وأربعين، طالبت الحكومة البريطانيّة "الوكالة اليهوديّة" بالتعاون في محاسبة المتطرّفين اليهود قانونيًّا، غير أنّ رئيسة مجلس الوكالة اليهوديّة جولدا مائير، رفضت ذلك وعرقلت المساعي البريطانيّة. وفي محاولة أخيرة، طرح وزير الخارجيّة البريطانيّ Ernest Bevin في مطلع عام ألف وتسعمائة وسبعة وأربعين خِطّةً جديدة تقترح استمرار الحكم البريطانيّ في فلسطين لخمس سنوات إضافيّة، يتمّ خلالها تهجير مزيد من اليهود، ثم تُمنَح فلسطين استقلالها التامّ بعد ذلك.

الفصل الثامن عشر: لجنة فلسطين الخاصّة واللصوص

قامت الجمعيّة العامّة لـالأمم المتّحدة عام ألف وتسعمائة وسبعة وأربعين بمباحثاتٍ بشأن قضيّة اللاجئين اليهود في فلسطين بعد الحرب العالميّة الثانية، وقد تحدّث أحد المندوبين العرب قائلاً إنّ الفلسطينيّين لا شأن لهم بما فعله النازيّون باليهود خلال الحرب، لكي يُبتلى العرب بوجودهم وهجرتهم إلى أرض فلسطين. لكنّ جميع الآذان داخل الجمعيّة صُمّت عن رأيه السليم، وصوّت معظم الأعضاء لصالح قرارٍ يقضي بإرسال لجنةٍ جديدة إلى فلسطين للبحث وتقديم التوصيات المناسبة. غير أنّ الفلسطينيّين العرب رفضوا مقابلة هذه اللجنة، لأنّهم علموا أنّها ليست سوى وسيلةٍ لتحقيق حلٍّ يُسهّل نقل المزيد من اليهود إلى فلسطين، لا لحلٍّ عادلٍ لقضيّتهم.

وعلى إثر ذلك، قامت الجماعة اليهوديّة الإرهابيّة Irgun باختطاف ضابطين بريطانيّين وقتْلِهِمَا، ردًّا على إعدام بريطانيا لعددٍ من أفراد الجماعة. واحتدمت النزاعات بين الطرفين، بينما وقف العرب الفلسطينيّون في حيرة من سبب استمرار بريطانيا في التورّط بهذه النزاعات بدلًا من الانسحاب. وقد فَشَلَت لجنة الأمم المتّحدة، كما فَشَلَت من قَبلِها اللجان البريطانيّة، في تحديد الحقوق الحقيقيّة لأصحاب الأرض، فأوصى أغلب أعضائها بخطّة تقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة يهوديّة في منطقة يقطنها أربعمائة وثمانية وتسعون ألفًا من اليهود، وأربعمائة وسبعة وتسعون ألفًا من العرب. ودولة عربيّة فيها سبعمائة وخمسة وعشرون ألفًا من العرب، وعشرة آلاف من اليهود. أَمّا القدس، فستبقى تحت وصايةٍ دوليّة تُشرف عليها الأمم المتّحدة نظرًا لوضعها الدينيّ المُعقّد.


فلسطين تاريخ شخصي
فلسطين تاريخ شخصي
كارل عيسى صباغ
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00